(أولئك) إشارة إلى المذكورين في السورة الكريمة ، وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو مرتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل . وهو مبتدأ وقوله تعالى الذين أنعم الله عليهم أي بفنون النعم الدينية والدنيوية حسبما أشير إليه مجملا خبره على ما استظهره في البحر ، والحصر عند القائل به إضافي بالنسبة إلى غير الأنبياء الباقين عليهم الصلاة والسلام لأنهم معروفون بكونهم منعما عليهم فينزل الإنعام على غيرهم منزلة العدم ، وقيل : يقدر مضاف أي بعض الذين أنعم الله عليهم وقوله تعالى من النبيين بيان للموصول ، وقيل : من تبعيضية بناء على أن المراد أولئك المذكورون الذين أنعم الله تعالى عليهم بالنعم المعهودة المذكورة هنا، فيكون الموضوع والمحمول مخصوصا بمن سمعت وهم بعض النبيين وعموم المفهوم المراد من المحمول في نفسه ومن حيث هو في الذهن لا ينافي أن يقصد به أمر خاص في الخارج كما لا يخفى واختير حمل التعريف في الخبر عن الجنس للمبالغة كما في قوله تعالى ذلك الكتاب ، والمحذور مندفع بما ذكرنا و (من) في قوله سبحانه من ذرية آدم قيل بيانية والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور السابق، والمجرور بدل من المجرور بإعادة الجار وهو بدل بعض من كل بناء على أن المراد ذريته الأنبياء وهي غير شاملة لآدم عليه السلام ولا يخفى بعده ، وقيل : هي تبعيضية لأن المنعم عليه أخص من الذرية من وجه لشمولها بناء على الظاهر المتبادر منها غير من أنعم عليه دونه ولا يضر في ذلك كونها أعم منها من وجه لشموله آدم والملك . ومؤمني الجن دونها وممن حملنا مع نوح أي ومن ذرية من حملناهم معه عليه السلام خصوصا وهم من عدا إدريس عليه السلام لما سمعت من أنه قبل نوح وإبراهيم عليه السلام كان بالإجماع من ذرية سام بن نوح عليهما السلام ومن ذرية إبراهيم وهم الباقون .
[ ص: 108 ] (وإسرائيل) عطف على (إبراهيم) أي ومن ذرية إسرائيل أي يعقوب عليه السلام، وكان منهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، وفي الآية دليل على أن أولاد البنات من الذرية لدخول عيسى عليه السلام ولا أب له ، وجعل إطلاق الذرية عليه بطريق التغليب خلاف الظاهر وممن هدينا واجتبينا عطف على قوله تعالى من ذرية آدم ومن للتبعيض أي ومن جملة من هديناهم إلى الحق واخترناهم للنبوة والكرامة .
وجوز أن يكون عطفا على قوله سبحانه من النبيين . ومن للبيان وأورد عليه أن ظاهر العطف المغايرة فيحتاج إلى أن يقال : المراد ممن جمعنا له بين النبوة والهداية والاجتباء للكرامة وهو خلاف الظاهر ، وقوله تعالى إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا استئناف مساق لبيان خشيتهم من الله تعالى وإخباتهم له سبحانه مع ما لهم من علو الرتبة وسمو الطبقة في شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله عز سلطانه .
وقيل : خبر بعد خبر لاسم الإشارة ، وقيل : إن الكلام انقطع عند قوله تعالى (وإسرائيل) ، وقوله سبحانه وممن هدينا خبر مبتدأ محذوف وهذه الجملة صفة لذلك المحذوف أي وممن هدينا واجتبينا قوم إذا تتلى عليهم إلخ ، ونقل ذلك عن ، وروى بعض أبي مسلم الإمامية عن رضي الله تعالى عنهما أنه قال : نحن عنينا بهؤلاء القوم ، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر جدا وحال روايات علي بن الحسين الإمامية لا يخفى على أرباب التمييز ، وظاهر صنيع بعض المحققين اختيار أن يكون الموصول صفة لاسم الإشارة على ما هو الشائع فيما بعد اسم الإشارة وهذه الجملة هي الخبر لأن ذلك أمدح لهم ، ووجه ذلك ظاهر عند من يعرف حكم الأوصاف والأخبار ، وسجدا جمع ساجد وكذا (بكيا) جمع باك كشاهد وشهود، وأصله بكوى اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وحركت الكاف بالكسر لمناسبة الياء وجمعه المقيس بكاة كرام ورماة إلا أنه لم يسمع على ما في البحر وهو مخالف لما في القاموس وغيره ، وجوز بعضهم أن يكون مصدر بكى كجلوسا مصدر جلس وهو خلاف الظاهر ، نعم ربما يقتضيه ما أخرجه في البكاء ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم في الشعب عن والبيهقي رضي الله تعالى عنه أنه قرأ سورة عمر مريم فسجد ثم قال : هذا السجود فأين البكى ، وزعم أن ذلك متعين في قراءة ابن عطية عبد الله ويحيى والأعمش وحمزة ( بكيا ) بكسر أوله وليس كما زعم لأن ذلك إتباع ، وظاهر أنه لا يعين المصدرية . ونصب الاسمين على الحالية من ضمير (خروا) أي : ساجدين وباكين والأول حال مقدرة كما قال والكسائي ، والظاهر أن المراد من السجود معناه الشرعي والمراد من الآيات ما تضمنته الكتب السماوية سواء كان مشتملا على ذكر السجود أم لا وسواء كان متضمنا لذكر العذاب المنزل بالكفار أم لا ، ومن هنا استدل بالآية على استحباب السجود والبكاء عند تلاوة القرآن . الزجاج
وقد أخرج ابن ماجة وإسحاق بن راهويه في مسنديهما من حديث والبزار سعيد بن أبي وقاص مرفوعا: ، وقيل : المراد من السجود سجود التلاوة حسبما تعبدنا به عند سماع بعض الآيات القرآنية، فالمراد بآيات الرحمن آيات مخصوصة متضمنة لذكر السجود ، وقيل : المراد منه الصلاة وهو قول ساقط جدا ، وقيل : المراد منه الخشوع والخضوع ، والمراد من الآيات ما تضمن العذاب المنزل بالكفار وهذا قريب من سابقه ، ونقل اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا الجلال السيوطي عن أنه استدل بالآية على وجوب سجود التلاوة وهو كما قال الرازي الكيا : بعيد ، وذكروا أنه ينبغي أن يدعو الساجد في سجدته بما يليق بآيتها فها هنا يقول : اللهم [ ص: 109 ] اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهتدين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك ، وفي آية الإسراء اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك ، وفي آية تنزيل السجدة: اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك ورحمتك وأعوذ بك من أن أكون من المستكبرين عن أمرك .
وقرأ عبد الله وأبو جعفر وشيبة وشبل بن عباد وأبو حيوة وعبد الله بن أحمد العجلي عن حمزة وقتيبة في رواية في رواية وورش النحاس وابن ذكوان في رواية التغلبي ( يتلى ) بالياء التحتية لأن التأنيث غير حقيقي ولوجود الفاصل