وأخرج ذلك عن ابن أبي حاتم وعليه لا يجب الاستمرار والإحاطة . وأورد على القول بالعموم أن قوله تعالى قتادة وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم يقتضي اشتراك الكل في العتي بل في أشديته وهو لا يناسب المؤمنين ، وأجيب عنه بأن ذلك من نسبة ما للبعض إلى الكل، والتفضيل على طائفة لا يقتضي مشاركة كل فرد فرد فإذا قلت : هو أشجع العرب لا يلزمه وجود الشجاعة في جميع أفرادهم ، وعلى هذا يكون في الآية إيماء إلى التجاوز عن كثير حيث خص العذاب بالأشد معصية ، (وأيهم) مفعول (لننزعن) وهو اسم موصول بمعنى الذي مبني على الضم محله [ ص: 120 ] النصب (وأشد) خبر مبتدأ محذوف أي هو أشد والجملة صلة والعائد المبتدأ و على الرحمن متعلق بأشد (وعتيا) تمييز محول عن المبتدأ ، ومن زعم أنه جمع جعله حالا ، وجوز في الجار أن يكون للبيان فهو متعلق بمحذوف كما في سقيا لك ، ويجوز تعلقه بعتيا ، أما إن كان وصفا فبالاتفاق ، وأما إذا كان مصدرا فعند القائل بجواز تقدم معمول المصدر لا سيما إذا كان ظرفا ، وكذا الكلام في (بها) من قوله هم أولى بها صليا فإنه جوز أن يكون الجار للبيان وأن يكون متعلقا بأولى وأن يكون متعلقا بصليا ، وقد قرئ بالضم والكسر ، وجوز فيه المصدرية والوصفية ، وهو على الوصفية حال وعلى المصدرية تمييز على طرز ما قيل في (عتيا) إلا أنه جوز فيه أن يكون تمييزا عن النسبة بين (أولى) والمجرور وقد أشير إلى ذلك فيما مر .
والصلي من صلي النار كرضي وبها قاسى حرها ، وقال : يقال صلي بالنار وبكذا أي بلي به ، وعن الراغب أنه فسر الصلي بالدخول ، وعن الكلبي أنه فسره بالخلود ، وليس كل من المعنيين بحقيقي له كما لا يخفى ، ثم ما ذكر من بناء- أي- هنا هو مذهب ابن جريج ، وكان حقها أن تبنى في كل موضع كسائر الموصولات لشبهها الحرف بافتقارها لما بعدها من الصلة لكنها لما لزمت الإضافة إلى المفرد لفظا أو تقديرا وهي من خواص الأسماء بعد الشبه فرجعت إلى الأصل في الأسماء وهو الإعراب ولأنها إذا أضيفت إلى نكرة كانت بمعنى كل وإذا أضيفت إلى معرفة كانت بمعنى بعض فحملت في الإعراب على ما هي بمعناه وعادت هنا عنده إلى ما هو حق الموصول وهو البناء لأنه لما حذف صدر صلتها ازداد نقصها المعنوي وهو الإبهام والافتقار للصلة بنقص الصلة التي هي كجزئها فقويت مشابهتها للحرف ، ولم يرتض كثير من العلماء ما ذهب إليه . سيبويه
قال أبو عمرو الجرمي : خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحدا يقول : لأضربن أيهم قائم بالضم ، وقال أبو جعفر النحاس: ما علمت أحدا من النحويين إلا وقد خطأ في هذه المسألة . سيبويه
وقال : ما تبين أن الزجاج غلط في كتابه إلا في موضعين هذا أحدهما، فإنه يقول بإعراب أي إذا أفردت عن الإضافة فكيف يبنيها إذا أضيفت . وقد تكلف شيخنا سيبويه علاء الدين أعلى الله تعالى مقامه في عليين للذب عن في ذلك بما لا يفي بمؤنة نقله ، وقد ذكرنا بعضا منه في حواشينا على شرح القطر للمصنف . سيبويه
نعم يؤيد ما ذهب إليه من المفعولية قراءة سيبويه طلحة بن مصرف ومعاذ بن مسلم الهراء أستاذ الفراء وزائدة عن أيهم بالنصب لكنها ترد ما نقل عنه من تحتم البناء إذا أضيفت وحذف صدر صلتها ، وينبغي إذا كان واقفا على هذه القراءة أن يقول بجواز الأمرين فيها حينئذ ، وقال الأعمش : مفعول ننزعن موصول محذوف وأي هنا استفهامية مبتدأ وأشد خبره والجملة محكية بقول وقع صلة للموصول المحذوف أي لننزعن الذين يقال فيهم : أيهم أشد ، وتعقب بأنه لا معنى لجعل ( النزع ) لمن يسأل عنه بهذا الاستفهام ، وأجيب بأن ذلك مجاز عن تقارب أحوالهم وتشابهها في العتو حتى يستحق أن يسأل عنها أو المراد الذين يجاب بهم عن هذا السؤال ، وحاصله لننزعن الأشد عتيا وهو مع تكلفه فيه حذف الموصول مع بعض الصلة وهو تكلف على تكلف ومثله لا ينقاس ، نعم مثله في الحذف على ما قيل قول الشاعر : الخليل
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
وذهب الكسائي والفراء إلى ما قاله الخليل إلا أنهما جعلا الجملة في محل نصب بننزعن ، والمراد لننزعن من يقع في جواب هذا السؤال ، والفعل معلق بالاستفهام، وساغ تعليقه عندهما لأن المعنى لننادين وهما [ ص: 121 ] يريان تعليق النداء وإن لم يكن من أفعال القلوب وإلى ذلك ذهب المهدوي ، وقيل : لما كان النزع متضمنا معنى الإفراز والتمييز وهو مما يلزمه العلم عومل معاملة العلم فساغ تعليقه . ويونس لا يرى التعليق مختصا بصنف من الأفعال بل سائر أصنافها سواء في صحة التعليق عنده ، وقيل : الجملة الاستفهامية استئنافية والفعل واقع على كل شيعة على زيادة من في الإثبات كما يراه الأخفش أو على معنى لننزعن بعض كل شيعة بجعل (من) مفعولا لتأويلها باسم ، ثم إذا كان الاستئناف بيانيا واقعا في جواب من المنزوعون؟ احتيج إلى التأويل كأن يقال : المراد الذين يقعون في جواب: أيهم أشد أو نحو ذلك ، وإذا كانت أي على تقدير الاستئناف ووقوع الفعل على ما ذكر موصولة لم يحتج إلى التأويل إلا أن في القول بالاستئناف عدولا عن الظاهر من كون الكلام جملة واحدة إلى خلاف الظاهر من كونه جملتين .
ونقل بعضهم عن أن (أيهم) فاعل (شيعة) لأن معناه يشيع ، والتقدير لننزعن من كل فريق يشيع أيهم هو أشد ، وأي على هذا على ما قال المبرد . ونقل عن أبو البقاء بمعنى الذي ، وفي البحر قال الرضي : أيهم متعلق بشيعة فلذلك ارتفع ، والمعنى أن الذين تشايعوا أيهم أشد كأنهم يتبادرون إلى هذا ، ويلزمه أن يقدر مفعولا لننزعن محذوفا ، وقدر أيضا في هذا المذهب من الذين تشايعوا أيهم أشد على معنى من الذين تعاونوا فنظروا أيهم أشد ، قال المبرد النحاس :
وهذا قول حسن انتهى ، وهو خلاف ما نقل أولا ، ولعمري إن ما نسب إلى أولا وأخيرا أبرد من يخ ، وقيل : إن الجملة استفهامية وقعت صفة لشيعة على معنى لننزعن من كل شيعة مقول فيهم أيهم أشد أي من كل شيعة متقاربي الأحوال ، ومن مزيدة والنزع الرمي ، وحكى المبرد أبو بكر بن شقير أن بعض الكوفيين يقول : في أيهم معنى الشرط تقول : ضربت القوم أيهم غضب ، والمعنى إن غضبوا أو لم يغضبوا قال : فعلى هذا يكون التقدير هنا إن اشتد عتوهم أو لم يشتد انتهى وهو كما ترى ، والوجه الذي ينساق إليه الذهن ويساعده اللفظ، والمعنى هو ما ذهب إليه أبو حيان ومدار ما ذهب إليه في أي من الإعراب والبناء هو المساع في الحقيقة ، وتعليلات النحويين على ما فيها إنما هي بعد الوقوع ، وعدم سماع لا يقدح في سماعه فتدبر . سيبويه