كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى
وروي عن ابن عباس وجعفر الصادق رضي الله تعالى عنهما أن المعنى أكاد أخفيها من نفسي ، ويؤيده أن في مصحف كذلك ، وروى أبي ابن خالويه عنه ذلك بزيادة فكيف أظهركم عليها ، وفي بعض القراءات بزيادة فكيف أظهرها لكم ، وفي مصحف عبد الله بزيادة فكيف يعلمها مخلوق وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من أن أحدهم إذا أراد المبالغة في كتمان الشيء قال : كدت أخفيه من نفسي ومن ذلك قوله :
أيام تصحبني هند وأخبرها ما كدت أكتمه عني من الخبر
وبجعل ذلك من باب المبالغة يندفع ما قيل إن إخفاء ذلك من نفسه سبحانه محال فلا يناسب دخول كاد عليه ، ولا حاجة لما قيل : إن معنى من نفسي من تلقائي ومن عندي ، والقرينة على هذا المحذوف إثباته في المصاحف ، وكونه قرينة خارجية لا يضر إذ لا يلزم في القرينة وجودها في الكلام . وقيل : الدليل عليه أنه لا بد لأخفيها من متعلق وهو من يخفى منه . ولا يجوز أن يكون من الخلق لأنه تعالى أخفاها عنهم لقوله سبحانه: إن الله عنده علم الساعة فيتعين ما ذكر . وفيه أن عدم صحة تقدير من الخلق ممنوع لجواز إرادة إخفاء تفصيلها وتعيينها مع أنه يجوز أن لا يقدر له متعلق ، والمعنى أوجد إخفاءها ولا أقول : إنها آتية .
وقال : المعنى أكاد أظهرها بإيقاعها على أن أخفيها من ألفاظ السلب بمعنى أزيل خفاءها أي ساترها وهو في الأصل ما يلف به القربة ونحوها من كساء وما يجري مجراه . ومن ذلك قول أبو علي امرئ القيس :
فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن توقدوا الحرب لا نقعد
ويؤيده قراءة أبي الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد ورويت عن ابن كثير ( أخفيها ) بفتح الهمزة، فإن خفاه بمعنى أظهره لا غير في المشهور ، وقال وعاصم كما حكاه أبو عبيدة أبو الخطاب أحد رؤساء اللغة : خفيت وأخفيت بمعنى واحد . ومتعلق الإخفاء على الوجه السابق في تفسير قراءة الجمهور والإظهار ليس شيئا واحدا حتى تتعارض القراءتان . وقالت فرقة : خبر كاد محذوف أكاد آتي بها كما حذف في قول صابئ البرجمي :
[ ص: 173 ]
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
أي وكدت أفعل، وتم الكلام ثم استأنف الإخبار بأنه تعالى يخفيها ، واختار النحاس وقالت فرقة أخرى : (أكاد) زائدة لا دخول لها في المعنى بل المراد الإخبار بأن الساعة آتية وأن الله تعالى يخفي وقت إتيانها . وروي هذا المعنى عن واستدلوا على زيادة كاد بقوله تعالى : ابن جبير لم يكد يراها ويقول زيد الخيل :
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما إن يكاد قرنه يتنفس
ولا حجة في ذلك كما لا يخفى لتجزى كل نفس بما تسعى متعلق بآتية كما قال صاحب اللوامح وغيره وما بينهما اعتراض لا صفة حتى يلزم إعمال اسم الفاعل الموصوف وهو لا يجوز على رأي البصريين أو بأخفيها على أن المراد أظهرها لا على أن المراد أسترها لأنه لا وجه لقولك . أسترها لأجل الجزاء ، وبعضهم جوز ذلك ، ووجهه بأن تعمية وقتها لتنتظر ساعة فساعة فيحترز عن المعصية ويجتهد في الطاعة . وتعقب بأنه تكلف ظاهر مع أنه لا صحة له إلا بتقدير لينتظر الجزاء أو لتخاف وتخشى ، وما مصدرية أي لتجزى بسعيها وعملها إن خيرا فخير وإن شرا فشر . وهذا التعميم هو الظاهر ، وقيل : لتجزى بسعيها في تحصيل ما ذكر من الأمور المأمور بها ، وتخصيصه في معرض الغاية لإتيانها مع أنه لجزاء كل نفس بما صدر عنها سواء كان سعيا فيما ذكر أو تقاعدا عنه بالمرة أو سعيا في تحصيل ما يضاده للإيذان بأن المراد بالذات من إتيانها هو الإثابة بالعبادة ، وأما العقاب بتركها فمن مقتضيات سوء اختيار العصاة، وبأن المأمور به في قوة الوجوب والساعة في شدة الهول والفظاعة بحيث يوجبان على كل نفس أن تسعى في الامتثال بالأمر وتجد في تحصيل ما ينجيها من الطاعات وتحترز عن اقتراف ما يرديها من المعاصي انتهى .
ولا يخفى ما فيه ، وقيل : ما موصولة أي بالذي تسعى فيه ، وفيه حذف العائد المجرور بالحرف مع فقد شرطه .
وأجيب بأنه يجوز أن يكون القائل لا يشترط ، وقيل : يقدر منصوبا على التوسع