واحلل عقدة من لساني روي أنه كان في لسانه عليه السلام رتة من جمرة أدخلها فاه في صغره .
وذلك أن فرعون حمله ذات يوم فأخذ خصلة من لحيته لما كان فيها من الجواهر . وقيل : لطمه . وقيل : ضربه ضربة بقضيب في يده على رأسه فتطير، فدعا بالسياف، فقالت آسية بنت مزاحم امرأته وكانت تحب موسى عليه السلام : إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر فأحضرا وأراد أن يمد يده إلى الياقوت فحول جبريل عليه السلام يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها في فيه فاحترق لسانه . وفي هذا دليل على فساد قول القائلين بأن النار تحرق بالطبيعة من غير مدخلية لإذن الله تعالى في ذلك إذ لو كان الأمر كما زعموا لأحرقت يده . وذكر في حكمة إذن الله تعالى لها بإحراق لسانه دون يده أن يده صارت آلة لما ظاهره الإهانة لفرعون . ولعل تبييضها كان لهذا أيضا، وإن لسانه كان آلة لضد ذلك بناء على ما روي أنه عليه السلام دعاه بما يدعو به الأطفال الصغار آباءهم . وقيل : احترقت يده عليه السلام أيضا فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ .
ولعل ذلك لئلا يدخلها عليه السلام مع فرعون في قصة واحدة فتفقد [ ص: 183 ] بينهما حرمة المؤاكلة فلما دعاه قال : إلى أي رب تدعوني؟ قال : إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنه . وكان الظاهر على هذا أن يطرح عليه السلام النار من يده ولا يوصلها إلى فيه . ولعله لم يحس بالألم إلا بعد أن أوصلها فاه أو أحس لكنه لم يفرق بين إلقائها في الأرض وإلقائها في فمه وكل ذلك بتقدير الله تعالى ليقضي الله أمرا كان مفعولا . وقيل : كانت العقدة في لسانه عليه السلام خلقة . وقيل : إنها حدثت بعد المناجاة وفيه بعد .
واختلف في زوالها بكمالها فمن قال به كالحسن تمسك بقوله تعالى: قد أوتيت سؤلك يا موسى من لم يقل به كالجبائي احتج بقوله تعالى هو أفصح مني وقوله سبحانه ولا يكاد يبين .
وبما روي أنه كان في لسان رضي الله تعالى عنه رتة وحبسة فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه : إنه ورثها من عمه الحسين موسى عليه السلام
. وأجاب عن الأول بأنه عليه السلام لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية بل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها ووصفها بقوله من لساني ولم يضفها مع أنه أخصر ولا يصلح ذلك للوصفية إلا بتقدير مضاف وجعل (من) تبعيضية أي عقدة كائنة من عقد لساني، فإن العقدة للسان لا منه .