إنك كنت بنا بصيرا عالما بأحوالنا وبأن ما دعوتك به مما يصلحنا ويفيدنا في تحقيق ما كلفته من إقامة مراسم الرسالة وبأن هارون نعم الردء في أداء ما أمرت به ، والباء متعلقة ببصيرا قدمت عليه لمراعاة الفواصل ، والجملة في موضع التعليل للمعلل الأول بعد اعتبار تعليله بالعلة الأولى ، وروى عن عبد بن حميد أنه سكن كاف الضمير في المواضع الثلاثة ، وجاء أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دعا بمثل هذا الدعاء إلا أنه أقام الأعمش عليا كرم الله تعالى وجهه مقام هارون عليه السلام ، فقد أخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن قالت : ( رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بإزاء ثبير وهو يقول أشرق ثبير أشرق ثبير، اللهم إني أسألك مما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري وأن تيسر لي أمري، وأن تحل عقدة من لساني يفقه قولي واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا أسماء بنت عميس )
، ولا يخفى أنه يتعين هنا حمل الأمر على أمر الإرشاد والدعوة إلى الحق ولا يجوز حمله على النبوة ، ولا يصح الاستدلال بذلك على خلافة بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بلا فصل . ومثله فيما ذكر ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام له حين استخلفه في غزوة تبوك على أهل بيته : ( علي كرم الله تعالى وجهه هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) كما بين في التحفة الاثني عشرية ، نعم في ذلك من الدلالة على مزيد فضل أما ترضى أن تكون مني بمنزلة ما لا يخفى ، وينبغي أيضا أن يتأول طلبه صلى الله عليه وسلم حل العقدة بنحو استمرار ذلك لما أنه عليه الصلاة والسلام كان أفصح الناس لسانا
علي كرم الله تعالى وجهه