أقدم بالوعد قبل الوعيد لينهى القبائل جهالها
وروي عن أن القول اللين لا إله إلا الله ولينه خفته على اللسان ، وهذا أبعد الأقوال وأقربها الأول ، وكان عكرمة الفضل بن عيسى الرقاشي إذا تلا هذه الآية قال : يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه، وقرئت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال : إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول أنت الله؟ وفيها دليل على استحباب إلانة القول للظالم عند وعظه لعله يتذكر ويتأمل فيبذل النصفة من نفسه والإذعان للحق فيدعوه ذلك إلى الإيمان أو يخشى أن يكون الأمر كما تصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة وذلك يدعوه إلى الإيمان أيضا إلا أن الأول للراسخين ولذا قدم ، وقيل : يتذكر حاله حين احتبس النيل فسار إلى شاطئه وأبعد، وخر لله تعالى ساجدا راغبا أن لا يخجله ثم ركب فأخذ النيل يتبع حافر فرسه فيستدل بذلك على عظيم حلم الله تعالى وكرمه أو يخشى ويحذر من بطش الله تعالى وعذابه سبحانه ، والمعول على ما تقدم .
ولعل للترجي وهو راجع للمخاطبين ، والجملة محل النصب حال من ضمير هما في (قولا) أي فقولا له قولا لينا راجيين أن يتذكر أو يخشى ، وكلمة أو لمنع الخلو .
وحاصل الكلام باشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه فهو يجتهد بطوعه ويحتشد بأقصى وسعه ، وقيل : حال من ضمير هما في (اذهبا) والأول أولى ، وقيل : لعل هنا للاستفهام أي هل يتذكر أو يخشى . وأخرج ذلك ابن المنذر عن وابن أبي حاتم رضي الله تعالى عنهما ، قيل : وهو القول اللين ، وأخرج ذلك مخرج قولك : قل لزيد هل يقوم . ابن عباس
وقال : هي هنا بمعنى كي التعليلية وهي أحد معانيها كما ذهب إليه جماعة منهم الفراء . الأخفش بل حكى والكسائي عن البغوي أن جميع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل إلا قوله تعالى الواقدي لعلكم تخلدون فإنها للتشبيه كما في صحيح وأخرج البخاري من طريق ابن أبي حاتم عن السدي أبي مالك قال : لعل في القرآن بمعنى كي غير آية في لعلكم تخلدون فإن المعنى كأنكم تخلدون ، وأخرج عن أنه قال : قرئ كذلك ، ولا يخفى أن كونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة ، وحملها على الاستفهام هنا بعيد ، ولعل التعليل أسبق إلى كثير من الأذهان من الترجي لكن الصحيح كما في البحر أنها للترجي وهو المشهور من معانيها ، وقيل : إن [ ص: 196 ] الترجي مجاز عن مطلق الطلب وهو راجع إليه عز وجل ، والذي لا يصح منه سبحانه هو الترجي حقيقة ، والمحققون على الأول ، والفائدة في إرسالهما عليهما السلام إليه مع العلم بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة . قتادة
وزعم الإمام أنه لا يعلم سر الإرسال إليه مع علمه تعالى بامتناع حصول الإيمان منه إلا الله عز وجل ولا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم وترك الاعتراض .
واستدل بعض المتبعين لمن قال بنجاة فرعون بهذه الآية فقال : إن لعل كذا من الله تعالى واجب الوقوع فتدل الآية على أن أحد الأمرين التذكر والخشية واقع وهو مدار النجاة ، وقد تقدم لك ما يعلم منه فساد هذا الاستدلال ، ولا حاجة بنا إلى ما قيل من أنه تذكر وخشي لكن حيث لم ينفعه ذلك وهو حين الغرق بل لا يصح حمل التذكر والخشية هنا على ما يشمل التذكر والخشية اللذين زعم القائل حصولهما لفرعون فتذكر .