وقرأ أبو جعفر وشيبة ( لا نخلفه ) بالجزم على أنه جواب للأمر أي إن جعلت ذلك لا نخلفه مكانا سوى أي منصفا بيننا وبينك كما روي عن ، مجاهد أي محلا واقعا على نصف المسافة بيننا سواء بسواء . وهذا معنى قول وقتادة أبي علي: قربه منكم كقربه منا ، وعلى ذلك قول الشاعر :
وإن أبانا كان حل بأهله سوى بين قيس قيس عيلان والفزر
أو محل نصف أي عدل كما روي عن لأن المكان إذا لم يترجح قربه من جانب على آخر كان معدلا بين الجانبين . وأخرج السدي عن ابن أبي حاتم أنه قال : أي مكانا مستويا من الأرض لا وعر فيه ولا جبل ولا أكمة ولا مطمئن بحيث يستر الحاضرين فيه بعضهم عن بعض ومراده مكانا يتبين الواقفون فيه، ولا يكون فيه ما يستر أحدا منهم ليرى كل ما يصدر منك ومن السحرة . وفيه من إظهار الجلادة وقوة الوثوق بالغلبة ما فيه ، وهذا المعنى عندي حسن جدا وإليه ذهب جماعة ، وقيل : المعنى مكانا تستوي حالنا فيه وتكون المنازل فيه واحدة لا تعتبر فيه رئاسة ولا تؤدى سياسة بل يتحد هناك الرئيس والمرءوس والسائس والمسوس ولا يخلو عن حسن ، وربما يرجع إلى معنى منصفا أي محل نصف وعدل . ابن زيد
وقيل : (سوى) بمعنى غير والمراد مكانا غير هذا المكان وليس بشيء لأن سوى بهذا المعنى لا تستعمل إلا مضافة لفظا ولا تقطع عن الإضافة ، وانتصاب (مكانا) على أنه مفعول به لفعل مقدر يدل عليه (موعدا) أي : عد مكانا لا لموعدا لأنه كما قال : مصدر قد وصف والمنصوب بالمصدر من تتمته ولا يوصف الشيء إلا بعد تمامه، فكان كوصف الموصول قبل تمام صلته وهو غير سائغ . ابن الحاجب
وعن بعض النحاة أنه يجوز وصف المصدر قبل العمل مطلقا وهو ضعيف ، وقال : يجوز وصفه قبل العمل إذا كان المعمول ظرفا لتوسعهم فيه ما لم يتوسعوا في غيره ، ومن هنا جوز بعضهم أن يكون (مكانا) منصوبا على الظرفية بموعدا . ورد بأن شرط النصب على الظرفية مفقود فيه ، فقد قال ابن عطية : يشترط في نصب (مكانا) على الظرفية أن يكون في عامله معنى الاستقرار في الظرف كقمت وقعدت وتحركت مكانك فلا يجوز نحو كتبت الكتابة مكانك وقتلته وشتمته مكانك ، وتعقب بأن ما ذكره الرضي غير مسل إذ لا مانع من قولك لمن أراد التقرب منك ليكلمك : تكلم مكانك ، نعم لا يطرد حسن ذلك في كل مكان ، ويجوز أن يكون ظرفا لقوله تعالى : الرضي لا نخلفه على أنه مضمن معنى المجيء أو الإتيان ، وجوز أن يكون ظرفا لمحذوف وقع حالا من فاعل (نخلفه) ويقدر كونا خاصا لظهور القرينة أي آتين أو جائين مكانا .
وقرأ أبو جعفر ونافع وابن كثير ( سوى ) بكسر السين والتنوين وصلا ، وقرأ باقي السبعة بالضم والتنوين كذلك ، ووقف وأبو عمرو أبو بكر وحمزة بالإمالة والكسائي وورش بين بين . وأبو عمرو
وقرأ في رواية كباقي السبعة إلا أنه لم ينون وقفا ووصلا ، وقرأ الحسن عيسى كالأولين إلا أنه لم ينون [ ص: 218 ] وقفا ووصلا أيضا ، ووجه عدم التنوين في الوصل إجراؤه مجرى الوقف في حذف التنوين والضم والكسر كما قالمحيي السنة ، وغيره لغتان في سوى مثل عدى وعدى .
وذكر بعض أهل اللغة أن فعلا بكسر الفاء مختص بالأسماء الجامدة كعنب ولم يأت منه في الصفة إلا عدا جمع عدو ، وزاد سوى ، وغيره روى بمعنى مرو ، وقال الزمخشري : سوى مقصور إن كسرت سينه أو ضممت وممدود إن فتحت ففيه ثلاث لغات، ويكون فيها جميعا بمعنى غير وبمعنى عدل ووسط بين الفريقين ، وأعلى اللغات على ما قال الأخفش النحاس سوى بالكسر.