والهدى يحتمل أن يراد به الإيمان ، وقد صرح سبحانه بمدح المستقيمين على ذلك في قوله تعالى : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا .
وقال : الاهتداء هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح وأيا ما كان فكلمة ثم إما للتراخي باعتبار الانتهاء لبعده عن أول الانتهاء أو للدلالة على بعد ما بين المرتبتين فإن المداومة أعلى وأعظم من الشروع كما قيل : الزمخشري
لكل إلى شأو العلى وثبات ولكن قليل في الرجال ثبات
[ ص: 241 ] وقيل : المراد ثم عمل بالسنة ، وأخرج عن سعيد بن منصور أن المراد من اهتدى علم أن لعمله ثوابا يجزى عليه ، وروي عنه غير ذلك ، وقيل : المراد طهر قلبه من الأخلاق الذميمة . كالعجب والحسد والكبر وغيرها ، وقال الحبر : الذي يقوى في معنى ابن عطية ثم اهتدى أن يكون ثم حفظ معتقداته من أن تخالف الحق في شيء من الأشياء فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان وغير العمل انتهى ، ولا يخفى عليك أن هذا يرجع إلى قولنا ثم استقام على الإيمان بما يجب الإيمان به على الوجه الصحيح ، وروى الإمامية من عدة طرق عن أبي جعفر الباقر رضي الله تعالى عنه أنه قال : ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت فوالله لو أن رجلا عبد الله تعالى عمره بين الركن والمقام ثم مات ولم يجئ بولايتنا لأكبه الله تعالى في النار على وجهه .
وأنت تعلم أن ولايتهم وحبهم رضي الله تعالى عنهم مما لا كلام عندنا في وجوبه لكن حمل الاهتداء في الآية على ذلك مع كونها حكاية لما خاطب الله تعالى به بني إسرائيل في زمان موسى عليه السلام مما يستدعي القول بأنه عز وجل أعلم بني إسرائيل بأهل البيت وأوجب عليهم ولايتهم إذ ذاك ولم يثبت ذلك في صحيح الأخبار .
نعم روى الإمامية من خبر جارود بن المنذر العبدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله عز وجل إلي أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا؟ قلت : علام بعثوا؟ قال : على نبوتك وولاية والأئمة منكما، ثم عرفني الله تعالى بهم بأسمائهم ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أسماءهم واحدا بعد واحد إلى علي بن أبي طالب المهدي . وهو خبر طويل يتفجر الكذب منه . ولهم أخبار في هذا المطلب كلها من هذا القبيل فلا فائدة في ذكرها إلا التطويل . والآية تدل على تحقق المغفرة لمن اتصف بمجموع الصفات المذكورة . وقصارى ما يفهم منها عند القائلين بالمفهوم عدم تحققها لمن لم يتصف بالمجموع، وعدم التحقق أعم من تحقق العدم فالآية بمعزل عن أن تكون دليلا للمعتزلي على تحقق عدم المغفرة لمرتكب الكبيرة إذا مات من غير توبة، فافهم. واحتج بها من قال تجب التوبة عن الكفر أولا ثم الإتيان بالإيمان ثانيا لأنه قدم فيها التوبة على الإيمان ، واحتج بها أيضا من قال بعدم دخول العمل الصالح في الإيمان للعطف المقتضي للمغايرة