وقوله تعالى أفلا يرون إلى آخره إنكار وتقبيح من جهته تعالى الضالين والمضلين جميعا وتسفيه لهم فيما أقدموا عليه من المنكر الذي لا يشتبه بطلانه واستحالته على أحد وهو اتخاذ ذلك العجل إلها ، ولعمري لو لم يكونوا في البلادة كالبقر لما عبدوه ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألا يتفكرون فلا يعلمون ألا يرجع إليهم قولا أي أنه لا يرجع إليهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا بل يخور كسائر العجاجيل، فمن هذا شأنه كيف يتوهم أنه إله .
وقرأ الإمام الشافعي وأبو حيوة وأبان وابن صبيح ( يرجع ) بالنصب على أن أن هي الناصبة لا المخففة من الثقيلة ، والرؤية حينئذ بمعنى الإبصار لا العلم بناء على ما ذكره الرضي وجماعة من أن [ ص: 249 ] الناصبة لا تقع بعد أفعال القلوب مما يدل على يقين أو ظن غالب لأنها لكونها للاستقبال تدخل على ما ليس بثابت مستقر فلا يناسب وقوعها بعد ما يدل على يقين ونحوه ، والعطف أيضا كما سبق أي ألا ينظرون فلا يبصرون عدم رجعه إليهم قولا من الأقوال ، وتعليق الإبصار بما ذكر مع كونه أمرا عدميا للتنبيه على كمال ظهوره المستدعي لمزيد تشنيعهم وتركيك عقولهم ، وقيل : إن الناصبة لا تقع بعد رأي البصرية أيضا لأنها تفيد العلم بواسطة إحساس البصر كما في إيضاح المفصل . وأجاز والزعفراني الفراء وقوعها بعد أفعال العلم فضلا عن أفعال البصر ، وقوله تعالى وابن الأنباري ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا عطف على (لا يرجع) داخل معه في حيز الرؤية أي فلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرا ويجلب لهم نفعا أو لا يقدر على أن يضرهم إن لم يعبدوه أو ينفعهم إن عبدوه .