وقرئ ( ينفخ ) بالياء المفتوحة على أن ضميره لله عز وجل أو لإسرافيل عليه السلام وإن لم يجر ذكره لشهرته وقرأ الحسن وابن عياض في جماعة (في الصور) بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف ، والمراد به الجسم المصور . وأورد أن النفخ يتكرر لقوله تعالى ثم نفخ فيه أخرى والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غير متكرر بعد الموت وما في القبر ليس بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق .
وأجيب بأنه لا نسلم أن كل نفخ إحياء ، وبعضهم فسر الصور على القراءة المشهورة بذلك أيضا ، والحق تفسيره بالقرن الذي ينفخ فيه ونحشر المجرمين يومئذ أي : يوم إذ ينفخ في الصور ، وذكر ذلك صريحا مع تعين أن الحشر لا يكون إلا يومئذ للتهويل ، وقرأ ( يحشر ) بالياء والبناء للمفعول و ( المجرمون ) بالرفع على النيابة عن الفاعل ، وقرئ أيضا ( يحشر ) بالياء والبناء للفاعل وهو ضميره عز وجل أي ويحشر الله تعالى المجرمين (زرقا) حال كونهم زرق الأبدان وذلك غاية في التشويه ولا تزرق الأبدان إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها ، وعن الحسن رضي الله تعالى عنهما زرق العيون فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحول والكحل والحول من صفات العين ، ولعله مجاز مشهور ، وجوز أن يكون حقيقة كرجل أعمى وإنما جعلوا كذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب فإن الروم الذين كانوا أشد أعدائهم عداوة زرق ، ولذلك قالوا في وصف العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين ، وقال الشاعر : ابن عباس
وما كنت أخشى أن تكون وفاته بكفي سبنتى أزرق العين مطرق
وكانوا يهجون بالزرقة كما في قوله :
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر إلا كل ضبي من اللؤم أزرق
وسئل عن الجمع بين ابن عباس زرقا على ما روي عنه وعميا في آية أخرى فقال : ليوم القيامة حالات [ ص: 261 ] فحالة يكونون فيها عميا وحالة يكونون فيها زرقا . وعن المراد من الفراء زرقا عميا لأن العين إذا ذهب نورها ازرق ناظرها ، ووجه الجمع عليه ظاهر ، وعن المراد عطاشا لأن العطش الشديد يغير سواد العين فيجعله كالأزرق ، وقيل : يجعله أبيض ، وجاء الأزرق بمعنى الأبيض ومنه سنان أزرق ، وقوله : فلما وردنا الماء زرقا جمامه ويلائم تفسيره بعطاشا قوله تعالى على ما سمعت الأزهري ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا .