قل لأولئك الكفرة المتمردين كل أي : كل واحد منا ومنكم متربص أي : منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم وهو خبر كل وإفراده حملا له على لفظه فتربصوا وقرئ ( فتمتعوا ) (فستعلمون) عن قريب من أصحاب الصراط السوي أي : المستقيم . وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير ( السواء ) أي الوسط ، والمراد به الجيد .
وقرأ الجحدري ( السوأى ) بالضم والقصر على وزن فعلى وهو تأنيث الأسوأ وأنث لتأنيث الصراط وهو مما يذكر ويؤنث . وقرأ وابن يعمر رضي الله تعالى عنهما ( السوء ) بفتح وسكون وهمزة آخره بمعنى الشر . وقرئ ( السوي ) بضم السين وفتح الواو وتشديد الياء وهو تصغير سوء بالفتح ، وقيل : تصغير سوء بالضم ، وقال ابن عباس : الأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطا عطي لأنه لو كان تصغير ذلك لثبتت همزته ، وقيل : سوئي وتعقب بأن إبدال مثل هذه الهمزة ياء جائز ، وعن أبو حيان الجحدري أنهما قرأ ( السوى ) بالضم والقصر وتشديد الواو ، واختير في تخريجه أن يكون أصله السوأى كما في الرواية الأولى فخففت الهمزة بإبدالها واوا وأدغمت الواو في الواو ، وقد روعيت المقابلة على أكثر هذه القراءات بين ما تقدم وقوله تعالى وابن يعمر ومن اهتدى أي : من الضلالة ولم تراع على قراءة الجمهور والأولى من الشواذ .
ومن في الموضعين استفهامية في محل رفع على الابتداء والخبر ما بعد العطف من عطف الجمل ومجموع الجملتين المتعاطفتين ساد مسد مفعولي العلم أو مفعوله إن كان بمعنى المعرفة ، وجوز كون من الثانية موصولة فتكون معطوفة على محل الجملة الأولى الاستفهامية المعلق عنها الفعل على أن العلم بمعنى المعرفة المتعدية لواحد إذ لولاه لكان الموصول بواسطة العطف أحد المفعولين وكان المفعول الآخر محذوفا اقتصارا وهو غير جائز .
وجوز أن تكون معطوفة على (أصحاب) فتكون في حيز من الاستفهامية أي ومن الذي اهتدى أو على ( الصراط ) فتكون في حيز أصحاب أي ومن (أصحاب) الذي اهتدى يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا عنى بالصراط السوي النبي عليه الصلاة والسلام أيضا كان العطف من باب عطف الصفات على الصفات مع اتحاد الذات .
وأجاز أن تكون من الأولى موصولة أيضا بمعنى الذين وهي في محل النصب على أنها مفعول للعلم بمعنى المعرفة (وأصحاب) خبر مبتدأ محذوف وهو العائد أي الذين هم أصحاب الصراط وهذا جائز على مذهب الكوفيين فإنهم يجوزون حذف مثل هذا العائد سواء كان في الصلة طول أو لم يكن وسواء كان الموصول أيا أو غيره بخلاف البصريين ، وما أشد مناسبة هذه الخاتمة للفاتحة . وقد ذكر الفراء الطيبي أنها خاتمة شريفة ناظرة إلى الفاتحة وأنه إذا لاح أن القرآن أنزل لتحمل تعب الإبلاغ ولا تنهك نفسك فحيث بلغت وبلغت جهدك فلا عليك وعليك بالإقبال على طاعتك قدر طاقتك، وأمر أهلك وهم أمتك المتبعون بذلك ودع الذين لا ينجع فيهم الإنذار فإنه تذكرة لمن يخشى وسيندم المخالف حين لا ينفعه الندم انتهى .