وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن أي: انقضت عدتهن كما يدل عليه السياق.
فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن أي: لا تمنعوهن ذلك، وأصل العضل الحبس والتضييق، ومنه عضلت الدجاجة بالتشديد إذا نشبت بيضتها ولم تخرج، والفعل مثلث العين، واختلف في الخطاب فقيل - واختاره الإمام - أنه للأزواج المطلقين؛ حيث كانوا يعضلون مطلقاتهم بعد مضي العدة، ولا يدعونهن يتزوجن ظلما وقسرا لحمية الجاهلية، وقد يكون ذلك بأن يدس إلى من يخطبهن ما يخيفه أو ينسب إليهن ما ينفر الرجل من الرغبة فيهن، وعليه يحمل الأزواج على من يردن أن يتزوجنه، والعرب كثيرا ما تسمي الشيء باسم ما يئول إليه، وقيل: واختاره القاضي، إنه للأولياء، فقد أخرج البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وخلق كثير من طرق شتى عن وأبو داود معقل بن يسار، قال: "كانت لي أخت فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت العدة فهويها وهوته، ثم خطبها مع الخطاب، فقلت له: يا لكع، أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها، والله لا ترجع إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فعلم الله - تعالى - حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية، قال: ففي نزلت، فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه"، وفي لفظ: فلما سمعها معقل قال: سمعا لربي وطاعة، ثم دعاه، فقال: أزوجك وأكرمك، وعليه يحمل الأزواج على الذين كانوا أزواجا وخطاب التطليق حينئذ إما أن يتوجه لما توجه له هذا الخطاب، ويكون نسبة التطليق للأولياء باعتبار التسبب كما ينبئ عنه التصدي للعضل، وإما أن يبقى على ظاهره للأزواج المطلقين، ويتحمل تشتيت الضمائر اتكالا على ظهور المعنى، وقيل - واختاره - : إنه لجميع الناس، فيتناول عضل الأزواج والأولياء جميعا، ويسلم من انتشار ضميري الخطاب والتفريق بين الإسنادين مع المطابقة لسبب النزول، وفيه تهويل أمر العضل بأن من حق الأولياء أن لا يحوموا حوله وحق الناس كافة أن ينصروا المظلوم، وجعل بعضهم الخطابات السابقة [ ص: 145 ] كذلك، وذكر أن المباشرة لتوقفها على الشروط العقلية والشرعية توزعت بحسبها، كما إذا قيل لجماعة معدودة أو غير محصورة: أدوا الزكاة وزوجوا الأكفاء وامنعوا الظلمة كان الكل مخاطبين والتوزع على ما مر، هذا وليس في الآية على أي وجه حملت دليل على أنه الزمخشري كما وهم، ونهي الأولياء عن العضل ليس لتوقف صحة النكاح على رضاهم، بل لدفع الضرر عنهن؛ لأنهن وإن قدرن على تزويج أنفسهن شرعا، لكنهن يحترزن عن ذلك مخافة اللوم والقطيعة أو مخافة البطش بهن، وفي إسناد النكاح إليهن إيماء إلى عدم التوقف والإلزام المجاز، وهو خلاف الظاهر، وجوز في ليس للمرأة أن تزوج نفسها أن ينكحن وجهان: الأول أنه بدل اشتمال من الضمير المنصوب قبله، والثاني أن يكون على إسقاط الخافض، والمحل إما نصب أو جر على اختلاف الرأيين إذا تراضوا ظرف (للا تعضلوا) والتذكير باعتبار التغليب والتقييد به؛ لأنه المعتاد لا لتجويز المنع قبل تمام التراضي، وقيل: ظرف (لأن ينكحن)، وقوله تعالى: بينهم ظرف للتراضي مفيد لرسوخه واستحكامه بالمعروف أي: بما لا يكون مستنكرا شرعا ومروءة، والباء إما متعلقة بمحذوف وقع حالا من فاعل تراضوا أو نعتا لمصدر محذوف؛ أي: تراضيا كائنا بالمعروف وإما بـ(تراضوا) أو بـ(ينكحن)، وفي التقييد بذلك إشعار بأن المنع من التزوج بغير كفء أو بما دون مهر المثل ليس من باب العضل، ذلك إشارة إلى ما فصل، والخطاب للجمع على تأويل القبيل أو لكل واحد واحد أو أن الكاف تدل على خطاب قطع فيه النظر عن المخاطب وحدة وتذكيرا وغيرهما.
والمقصود الدلالة على حضور المشار إليه عند من خوطب للفرق بين الحاضر والمنقضي الغائب أو للرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - ليطابق ما في سورة الطلاق، وفيه إيذان بأن المشار إليه أمر لا يكاد يتصوره كل أحد، بل لا بد لتصور ذلك من مؤيد من عند الله - تعالى - يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر خصه بالذكر؛ لأنه المسارع إلى الامتثال إجلالا لله - تعالى - وخوفا من عقابه، ومنكم إما متعلق بـ(كان) على رأي من يرى ذلك، وإما بمحذوف وقع حالا من فاعل يؤمن ذلكم أي: الاتعاظ به والعمل بمقتضاه أزكى لكم أي: أعظم بركة ونفعا، وأطهر أي: أكثر تطهيرا من دنس الآثام، وحذف (لكم) اكتفاء بما في سابقه، وقيل: إن المراد أطهر لكم ولهم لما يخشى على الزوجين من الريبة بسبب العلاقة بينهما، والله يعلم ما فيه من المصلحة وأنتم لا تعلمون 232 ذلك، فلا رأي إلا الاتباع، ويحتمل تعميم المفعول في الموضعين، ويدخل فيه المذكور دخولا أوليا، وفائدة الجملة الحث على الامتثال.