ومن الشياطين أي وسخرنا له من الشياطين من يغوصون له فمن في موضع نصب لسخرنا ، وجوز أن تكون في موضع رفع على الابتداء وخبره ما قبله ، وهي على الوجهين على ما استظهره موصولة وعلى ما اختاره جمع نكرة موصوفة ، ووجه اختيار ذلك على الموصولية أنه لا عهد هنا ، وكون الموصول قد يكون للعهد الذهني خلاف الظاهر ، وجيء بضمير الجمع نظرا للمعنى ، وحسنه تقدم جمع [ ص: 79 ] قبله ، والغوص الدخول تحت الماء وإخراج شيء منه ، ولما كان الغائص قد يغوص لنفسه ولغيره قيل : ( له ) للإيذان بأن الغوص ليس لأنفسهم بل لأجله عليه السلام . أبو حيان
وقد كان عليه السلام يأمرهم فيغوصون في البحار ويستخرجون له من نفائسه ويعملون له عملا كثيرا ( دون ذلك ) أي غير ما ذكر من بناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة لقوله تعالى : يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل [سبأ : 13] الآية ، قيل : إن الحمام والنورة والطاحون والقوارير والصابون من أعمالهم ، وذكر ذلك الإمام الرازي في التفسير ، لكن في كون الصابون من أعمالهم خلافا . ففي التذكرة الصابون من الصناعة القديمة قيل وجد في كتب هرمس وأندوخيا وهو الأظهر . وقيل : من صناعة بقراط وجالينوس انتهى . وقيل : هو من صناعة الفارابي وأول ما صنعه في دمشق الشام ولا يصح ذلك ، وما اشتهر أن أول من صنعه البوني فمن كذب العوام وخرافاتهم ، ثم هؤلاء إما الفرقة الأولى أو غيرها لعموم كلمة ( من ) كأنه قيل : ومن يعملون ، والشياطين أجسام لطيفة نارية عاقلة ، وحصول القدرة على الأعمال الشاقة في الجسم اللطيف غير مستبعد فإن ذلك نظير قلع الهواء الأجسام الثقيلة ، وقال : إنه سبحانه كثف أجسامهم خاصة وقواهم وزاد في عظمهم ليكون ذلك معجزة لسليمان عليه السلام فلما توفي ردهم إلى خلقتهم الأولى لئلا يفضي إبقاؤهم إلى تلبيس الجبائي وهو كلام ساقط عن درجة القبول كما لا يخفى . المتنبي
والظاهر أن المسخرين كانوا كفارا لأن لفظ الشياطين أكثر إطلاقا عليهم ، وجاء التنصيص عليه في بعض الروايات ويؤيده قوله تعالى : وكنا لهم حافظين أي من أن يزيغوا عن أمره أو يفسدوا ، وقال : كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوه بالنهار ، وقيل حافظين لهم من أن يهيجوا أحدا والأنسب بالتذييل ما تقدم وذكر في حفظهم أنه وكل بهم جمعا من الملائكة عليهم السلام وجمعا من مؤمني الجن ، هذا وفي قصتي الزجاج داود وسليمان عليهما السلام ما يدل على عظم قدرة الله تعالى .
قال الإمام : وتسخير أكثف الأجسام لداود عليه السلام وهو الحجر إذ أنطقه الله تعالى بالتسبيح والحديد إذ ألانه سبحانه له وتسخير ألطف الأجسام لسليمان عليه السلام وهو الريح والشياطين وهم من نار وكانوا يغوصون في الماء فلا يضرهم دليل واضح على باهر قدرته سبحانه وإظهار الضد من الضد وإمكان إحياء العظم الرميم وجعل التراب اليابس حيوانا فإذا أخبر الصادق بوقوعه وجب قبوله واعتقاده