قوله تعالى : وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك وكون ضمير ( أنه ) للقرآن ، وقيل لا حاجة للتخصيص وضمير ( أنه ) لتمكين الشيطان من الإلقاء أي وليعلم العلماء أن ذلك التمكين هو الحق المتضمن للحكمة البالغة لأنه مما جرت به عادته تعالى في جنس الإنس من لدن آدم عليه السلام ، وضميرا ( به وله ) في قوله تعالى : فيؤمنوا به أي يثبتوا على الإيمان أو يزدادوا إيمانا فتخبت له قلوبهم بالانقياد والخشية للقرآن على التخصيص وللرب على التعميم ، وجعلهما لتمكين الشيطان لا سيما الثاني مما لا وجه له .
ورجح ما قاله بأن أمر التعليل عليه أظهر أي فينسخ الله تعالى ما يلقيه الشيطان ويرده ليجعله بسبب الرد وظهور فساد التمسك به عذابا للمنافقين والكافرين أي سببا لعذابهم حيث استرسلوا معه مع ظهور فساده أو اختبارا لهم هل يرجعون عنه وليعلم الذين أوتوا العلم أن القرآن هو الحق حيث بطل ما أورد من الشبه عليه ولم يبطل هو ، وقد يقال مثل ذلك على ما ذهب إليه ابن عطية ، ولا يبعد أن يكون قوله تعالى : الحوفي ليجعل إلخ متعلقا بمحذوف أي فعل ذلك ليجعل إلخ والإشارة إلى النسخ والإحكام ويجعل ( ليجعل ) علة النسخ ( وليعلم ) علة لفعل الإتيان بالآيات محكمة ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى التمكين المفهوم مما تقدم مع النسخ والإحكام ويجعل ( ليجعل ) علة لفعل التمكين وما بعد علة لما بعد ، ويجوز أيضا أن ترجع الضمائر في ( أنه) . ( وبه وله ) للموحى الذي يقرؤه كل من الرسل والأنبياء عليهم السلام المفهوم من الكلام فلا حاجة للتخصيص ، وأيا ما كان فقوله تعالى : وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم اعتراض مقرر لما قبله ، والمراد بالذين آمنوا المؤمنين من هذه الأمة على تقدير التخصيص أو المؤمنون مطلقا على تقدير التعميم ، والمراد بالصراط المستقيم النظر الصحيح الموصل إلى الحق الصريح أي إنه تعالى لهادي المؤمنين في الأمور الدينية خصوصا في المداحض والمشكلات التي من جملتها رد شبه الشياطين عن آيات الله عز وجل [ ص: 175 ] وقرأ أبو حيوة «لهاد » بالتنوين .
وابن أبي عبلة