من ذا الذي يقرض الله ( من ) استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء، و ( ذا ) خبره، و ( الذي ) صفة له، أو بدل منه، ولا يجوز أن يكون ( من ذا ) بمنزلة اسم واحد؛ مثل: ما تكون، ماذا كذلك، كما نص عليه لأن ( ما ) أشد إبهاما من ( من )، وإقراض الله تعالى مثل لتقديم العمل العاجل؛ طلبا للثواب الآجل، والمراد ههنا: إما الجهاد المشتمل على بذل النفس والمال، وإما مطلق العمل الصالح، ويدخل فيه ذلك دخولا أوليا، وعلى كلا التقديرين لا يخفى انتظام الجملة بما قبلها أبو البقاء؛ قرضا إما مصدر بمعنى إقراضا، فيكون نصبا على المصدرية، وإما بمعنى المفعول، فيكون نصبا على المفعولية، وقوله سبحانه: حسنا صفة له على الوجهين، وجهة الحسن على الأول الخلوص مثلا، وعلى الثاني الحل والطيب، وأخرج عن ابن أبي حاتم، _ رضي الله تعالى عنه _ القرض الحسن: المجاهدة والإنفاق في سبيل الله تعالى، وعليه يلتئم النظم أتم التئام، عمر بن الخطاب فيضاعفه أي: القرض له وجعله مضاعفا مجاز؛ لأنه سبب المضاعفة، وجوز تقدير مضاف؛ أي: فيضاعف جزاءه، وصيغة المفاعلة ليست على بابها، إذ لا مشاركة، وإنما اختيرت للمبالغة المشيرة إليها المغالبة
وقرأ بالنصب، وفيه وجهان؛ أحدهما: أن يكون معطوفا على مصدر يقرض في المعنى؛ أي: من ذا الذي يكون منه قرض، فمضاعفة من الله تعالى، وثانيهما: أن يكون جوابا لاستفهام معنى أيضا؛ لأن المستفهم [ ص: 163 ] عنه وإن كان المقرض في اللفظ؛ إلا أنه في المعنى الإقراض، فكأنه قيل: أيقرض الله تعالى أحد فيضاعفه، وهذا ما اختاره عاصم ولم يجوز أن يكون جواب الاستفهام في اللفظ؛ لأن المستفهم عنه فيه المقرض لا القرض، ولا عطفه على المصدر الذي هو ( قرضا )، كما يعطف الفعل على المصدر بإضمار أن؛ لأمرين على ما قيل؛ الأول: أن قرضا هنا مصدر مؤكد، وهو لا يقدر بأن والفعل، والثاني: إن عطفه عليه يوجب أن يكون معمولا لـ ( يقرض )، ولا يصح هذا؛ لأن المضاعفة ليست مقروضة، وإنما هي فعل من الله تعالى، وفيه تأمل، وقرأ أبو البقاء، يضعفه بالرفع والتشديد، ابن كثير: ويعقوب، يضعفه بالنصب، وابن عامر: أضعافا جمع ضعف، وهو مثل الشيء في المقدار إذا زيد عليه، فليس بمصدر، والمصدر الإضعاف أو المضاعفة، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الهاء في ( يضاعفه )، وأن يكون مفعولا ثانيا على المعنى بأن تضمن المضاعفة معنى التصيير، وجوز أن يعتبر واقعا موقع المصدر، فينتصب على المصدرية حينئذ، وإنما جمع والمصادر لا تثنى ولا تجمع؛ لأنها موضوعة للحقيقة من حيث هي لقصد الأنواع المختلفة، والمراد به أيضا إذ ذاك الحقيقة، لكنها تقصد من حيث وجودها في ضمن أنواعها الداخلة تحتها كثيرة لا يعلم قدرها إلا الله تعالى، وأخرج الإمام أحمد، وابن المنذر، عن وابن أبي حاتم، قال: أبي عثمان النهدي، أنه قال: " إن الله تعالى ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة، فحججت ذلك العام ولم أكن أريد أن أحج إلا للقائه في هذا الحديث، فلقيت أبي هريرة فقلت له، فقال: ليس هذا قلت ولم يحفظ الذي حدثك، إنما قلت: إن الله تعالى ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة، ثم قال أبو هريرة: أو ليس تجدون هذا في كتاب الله تعالى: أبا هريرة، من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة فالكثير عنده تعالى أكثر من ألفي ألف وألفي ألف، والذي نفسي بيده، لقد سمعت رسول الله _ صلى الله تعالى عليه وسلم _ يقول: إن الله تعالى يضاعف الحسنة ألفي ألفي حسنة" بلغني عن والله يقبض ويبسط أي: يقتر على بعض، ويوسع على بعض، أو يقتر تارة، ويوسع أخرى حسبما تقتضيه الحكمة، التي قد دق سرها، وجل قدرها، وإذا علمتم أنه هو القابض والباسط، وأن ما عندكم إنما هو من بسطه وعطائه؛ فلا تبخلوا عليه، فأقرضوه وأنفقوا مما وسع عليكم بدل توسعته وإعطائه، ولا تعكسوا بأن تبخلوا بدل ذلك، فيعاملكم مثل معاملتكم في التعكيس، بأن يقبض ويقتر عليكم من بعد ما وسع عليكم، وأقدركم على الإنفاق، وعن قتادة، والأصم، أن المعنى يقبض الصدقات، ويبسط الجزاء عليها، فالكلام كالتأكيد والتقرير لما قبله، ووجه تأخير البسط عليه ظاهر، ووجه تأخيره على الأول الإيماء إلى أنه يعقب القبض في الوجود تسلية للفقراء، وقرئ: يبصط والزجاج:
وإليه ترجعون فيجازيكم على حسب ما قدمتم.