يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا أي صلوا وعبر عن الصلاة بهما لأنهما أعظم أركانها وأفضلها [ ص: 208 ] والمراد أن مجموعهما كذلك وهو لا ينافي تفضيل أحدهما على الآخر ولا تفضيل القيام أو السجود على كل واحد واحد من الأركان ، وقيل : المعنى اخضعوا لله تعالى وخروا له سجدا ، وقيل : المراد الأمر بالركوع والسجود بمعناهما الشرعي في الصلاة فإنهم كانوا في أول إسلامهم يركعون في صلاتهم بلا سجود تارة ويسجدون بلا ركوع أخرى فأمروا بفعل الأمرين جميعا فيما حكاه في البحر ولم نره في أثر يعتمد عليه ، وتوقف فيه صاحب المواهب وذكره بلا سند الفراء واعبدوا ربكم بسائر ما تعبدكم سبحانه كما يؤذن به ترك المتعلق وقيل : المراد أمرهم بأداء الفرائض .
وقوله تعالى : وافعلوا الخير تعميم بعد تخصيص أو مخصوص بالنوافل وعن رضي الله تعالى عنهما أنه أمر بصلة الأرحام ومكارم الأخلاق ابن عباس لعلكم تفلحون في موضع الحال من ضمير المخاطبين أي افعلوا كل ذلك وأنتم راجون به الفلاح غير متيقنين به واثقين بأعمالكم ، والآية آية سجدة عند الشافعي وأحمد وابن المبارك وإسحاق رضي الله تعالى عنهم لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ولما تقدم عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال قلت : يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال : نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما ، وبذلك قال عن ، علي كرم الله تعالى وجهه وابنه وعمر عبد الله وعثمان وأبو الدرداء وأبو موسى في إحدى الروايتين عنه رضي الله تعالى عنهم ، وذهب وابن عباس أبو حنيفة ومالك والحسن وابن المسيب وابن جبير وسفيان الثوري رضي الله تعالى عنهم إلى أنها ليست آية سجدة ، قال ابن الهمام : لأنها مقرونة بالأمر بالركوع والمعهود في مثله من القرآن كونه أمرا بما هو ركن للصلاة بالاستقراء نحو ( اسجدي واركعي ) [آل عمران : 43] وإذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال ، وما روي من حديث عقبة قال : إسناده ليس بالقوي وكذا قال الترمذي وغيره انتهى . أبو داود
وانتصر الطيبي لإمامه رضي الله تعالى عنه فقال : الركوع مجاز عن الصلاة لاختصاصه بها وأما السجود فلما لم يختص حمل على الحقيقة لعموم الفائدة ولأن العدول إلى المجاز من غير صارف أو نكتة غير جائز والمقارنة لا توجب ذلك ، وتعقبه صاحب الكشف بأن للقائل أن يقول : المقارنة تحسن ، وتوافق الأمرين في الفرضية أو الإيجاب على المذهبين من المقتضيات أيضا ، ثم رجع إلى الانتصار فقال : الحق أن السجود حيث ثبت ليس من مقتضى خصوص تلك الآية لأن دلالة الآية غير مقيدة بحال التلاوة ، بل إنما ذلك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم أو قوله فلا مانع من كون الآية دالة على الشافعي ومع ذلك تشرع السجدة عند تلاوتها لما ثبت من الرواية الصحيحة ، وفيه أنه إن أراد أن ما ثبت دليل مستقل على مشروعيتها من غير مدخل للآية فذلك على ما فيه مما لم يقله فرضية سجود الصلاة ولا غيره ، وإن أراد أن الآية تدل على ذلك كما تدل على فرضية سجود الصلاة وما ثبت كاشف عن تلك الدلالة فذلك قول بخفاء تلك الدلالة والتزام أن الأمر بالسجود لمطلق الطلب الشامل لما كان على سبيل الإيجاب كما في طلب سجود الصلاة ولما كان على سبيل الندب كما في طلب الشافعي فإنه سنة عند سجود التلاوة رضي الله تعالى عنه ولعله يتعين عنده ذلك ولا محذور فيه بل لا معدل عنه إن صح الحديث لكن قد سمعت آنفا ما قيل فيه ، ولك أن تقول : إنه قد قوي بما أخرجه الشافعي أبو داود وابن ماجه وابن مردويه عن والبيهقي عمرو بن العاص . أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في [ ص: 209 ] القرآن منها ثلاث في المفصل
وفي سورة الحج سجدتان وبعمل كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم الظاهر في كونه عن سماع منه صلى الله عليه وسلم أو رؤية لفعله ذلك