بل المنابر من خوف ومن وهل واستطعم الماء لما جد في الهرب وألحن الناس كل الناس قاطبة
وكان يولع بالتشديق بالخطب
وعض زمان يابن مروان لم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف
قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده أي: لا قدرة لنا بمحاربتهم ومقاومتهم، فضلا عن الغلبة عليهم، وجالوت كطالوت، والقائل بعض المؤمنين لبعض، وهو إظهار ضعف لا نكوص، لما شاهدوا من الأعداء ما شاهدوا من الكثرة والشدة؛ قيل: كانوا مائة ألف مقاتل شاكي السلاح، وقيل: ثلاثمائة ألف قال على سبيل التشجيع لذلك البعض، وهو استئناف بياني الذين يظنون أي: يتيقنون أنهم ملاقو الله بالبعث والرجوع إلى ما عنده، وهم الخلص من أولئك، والأعلون إيمانا فلا ينافي وصفهم بذلك إيمان الباقين، فإن درجات المؤمنين في ذلك متفاوتة، ويحتمل إبقاء الظن على معناه، والمراد: يظنون أنهم يستشهدون عما قريب، ويلقون الله تعالى، وقيل: الموصول عبارة عن المؤمنين كافة، وضمير ( قالوا ) للمنخزلين عنهم، كأنهم قالوا ذلك اعتذارا عن التخلف والنهر بينهما، ولا يخفى بعده؛ لأن الظاهر أنهم قالوا هذه المقالة عند لقاء العدو، ولم يكن المنخزلون إذ ذاك معهم، وأيضا أي حاجة إلى إبداء العذر عن التخلف، مع ما سبق من طالوت أن الكارعين ليسوا منه في شيء، فلو لم ينخزلوا لمنعوا من الذهاب ( معه كم من فئة أي: قطعة من الناس وجماعة؛ من فأوت رأسه إذا شققته، أو من فاء إليه إذا رجع، وأصلها على الأول فيوة؛ فحذفت لامها فوزنها فعة، وأصلها على الثاني فيئة؛ فحذفت عينها فوزنها فلة، و ( كم ) هنا خبرية، ومعناها كثير، و ( من ) زائدة، و ( فئة ) تمييز، وجوز أن يكون ( من فئة ) في موضع رفع صفة لـ ( كم ) كما تقول: عندي مائة من درهم ودينار، وجوز بعضهم أن تكون كم استفهامية، ولعله ليس على حقيقته، ونقل عن أبو البقاء الرضى أن ( من ) لا تدخل بعد ( كم ) الاستفهامية، فالقول بالخبرية أولى قليلة نعت لفئة على لفظها غلبت أي: قهرت عند المحاربة فئة كثيرة بالنسبة إليها
بإذن الله أي: بحكمه وتيسيره، ولم يقولوا أطاقت حسبما وقع في كلام أصحابهم؛ مبالغة في تشجيعهم، وتسكين قلوبهم، وإذا حمل التنوين في ( فئة ) الأولى للتحقير، وفي ( فئة ) الثانية للتعظيم؛ كان أبلغ في التشجيع، وأكمل في التسكين، وقد ورد مثل ذلك في قوله: [ ص: 172 ]
له حاجب عن كل أمر يشينه وليس له عن طالب العرف حاجب