وقيل: باء الحال وهي باء الملابسة، واستظهره بعضهم، أي: تشقق متغيمة، وقيل: بمعنى عن وإليه ذهب . الفراء
والفرق بين قولك انشقت الأرض بالنبات وانشقت عنه أن معنى الأول أن الله تعالى شقها بطلوعه فانشقت به، ومعنى الثاني أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه، وقيل: المراد بالغمام غمام أبيض رقيق مثل الضبابة، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم.
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم أنه الغمام الذي يأتي الله تعالى فيه يوم القيامة المذكور في قوله سبحانه: مجاهد هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام قال : وهو غمام زعموا أنه في الجنة، وعن ابن جريج أن المراد بالسماء ما يعم السماوات كلها وتشقق سماء سماء، وروي ذلك عن مقاتل ، فقد أخرج ابن عباس ، عبد بن حميد في الأهوال وابن أبي الدنيا ، وابن جرير ، وابن المنذر عنه - رضي الله تعالى عنه - أنه قرأ هذه الآية إلى قوله تعالى: وابن أبي حاتم ونزل الملائكة تنزيلا أي تنزيلا عجيبا غير معهود، فقال: يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة في صعيد واحد، الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق، فتنشق السماء الدنيا فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس وجميع الخلق، فيحيطون بجميعهم فتقول أهل الأرض: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا، ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس وجميع الخلق، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق، ثم تنشق السماء الثالثة فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الثانية والدنيا وجميع الخلق، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم وبالجن والإنس وجميع الخلق، ثم ينزل أهل السماء الرابعة، وهم أكثر من أهل الثالثة والثانية والأولى وأهل الأرض، ثم ينزل أهل السماء الخامسة وهم أكثر ممن تقدم، ثم أهل السماء السادسة كذلك، ثم أهل السماء السابعة وهم أكثر من أهل السماوات وأهل الأرض، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم أكثر من أهل السماوات السبع والإنس والجن وجميع الخلق، لهم قرون ككعوب القنا وهم تحت العرش، لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى، ما بين أخمص أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام، ومن ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام، وما فوق ذلك [ ص: 10 ] خمسمائة عام، ، وكذا قوله: «وحوله الكروبيون» وأهل التأويل يقولون: المراد بذلك نزول الحكم والقضاء، فكأنه قيل: ثم ينزل حكم الرب وحوله الكروبيون أي معه، وأما نزول الملائكة مع كثرتهم وعظم أجسامهم فلا يمنع عنه ما يشاهد من صغر الأرض لأن الأرض يومئذ تمتد بحيث تسع أهلها وأهل السماوات أجمعين، وسبحان من لا يعجزه شيء، ثم الخبر ظاهر في أن الملائكة عليهم السلام لا ينزلون في الغمام ، وذكر بعضهم في الآية أن السماء تنفتح بغمام يخرج منها، وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف الأعمال، وقرأ ونزول الرب جل وعلا من المتشابه ابن مسعود «ونزل» ماضيا مبنيا للفاعل مشددا، وعنه أيضا «وأنزل» مبنيا للفاعل، وجاء مصدره تنزيلا وقياسه إنزالا إلا أنه لما كان معنى أنزل ونزل واحدا جاء مصدر أحدهما للآخر كما قال الشاعر: وأبو رجاء
حتى تطويت انطواء الخصب
كأنه قال: حتى انطويت، وقرأ الأعمش وعبد الله في نقل «وأنزل» ماضيا رباعيا مبنيا للمفعول، وقرأ ابن عطية جناح بن حبيش والخفاف عن «ونزل» ثلاثيا مخففا مبنيا للفاعل، وقرأ أبي عمرو أبو معاذ وخارجة عن «ونزل» بضم النون وشد الزاي وكسرها ونصب «الملائكة» وخرجها أبي عمرو بعد أن نسبها إلى ابن جني وأهل ابن كثير مكة على أن الأصل «ننزل» كما وجد في بعض المصاحف فحذفت النون التي هي فاء الفعل تخفيفا لالتقاء النونين، وقرأ أبي: (ونزلت) ماضيا مشددا مبنيا للمفعول بتاء التأنيث، وقال صاحب اللوامح عن الخفاف عن : (ونزل) مخففا مبنيا للمفعول و«الملائكة» بالرفع فإن صحت القراءة فإنه حذف منها المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، والتقدير: ونزل نزول الملائكة، فحذف النزول ونقل إعرابه إلى الملائكة، بمعنى نزل نازل الملائكة؛ لأن المصدر يكون بمعنى الاسم اهـ. أبي عمرو
وقال الطيبي : قال : نزل بالبناء للمفعول غير معروف؛ لأن نزل لا يتعدى إلى مفعول به، ولا يقاس بجن حيث إنه مما لا يتعدى إلى المفعول، فلا يقال: جنه الله تعالى بل أجنه الله تعالى، وقد بني للمفعول لأنه شاذ، والقياس عليه مردود، فإما أن يكون ذلك لغة نادرة، وإما أن يكون من حذف المضاف، أي نزل نزول الملائكة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، قال ابن جني العجاج :
حتى إذا اصطفوا له حذارا
فحذارا منصوب مصدرا لا مفعولا به، يريد اصطفوا له اصطفافا حذارا، ونزل نزول الملائكة على حد قولك: هذا نزول منزول وصعود مصعود وضرب مضروب، وقريب منه، وقد قيل قول، وقد خيف منه خوف، فاعرف ذلك فإنه أمثل ما يحتج به لهذه القراءة اهـ.وهو أحسن من كلام صاحب اللوامح، وعن أيضا أنه قرأ «وتنزلت الملائكة» فهذه مع قراءة الجمهور وما في بعض المصاحف عشرة قراءات، وما كان منها بصيغة المضارع وجهه ظاهر، وأما ما كان بصيغة الماضي فوجهه على ما قيل الإشارة إلى سرعة الفعل. أبي عمرو