قال - عليه السلام - تفسيرا لجوابه الأول وإزالة لخفائه؛ ليعلم أن العدول ليس إلا لظهور ما عدل إليه ووضوحه وقربه إلى الناظر لا لما رمي به - وحاشاه - مع الإشارة إلى تعذر بيان الحقيقة - أيضا - بالإصرار على الجواب بالصفات: رب المشرق والمغرب وما بينهما وذلك لأنه لم يكن في الجواب الأول تصريح باستناد حركات السماوات وما فيها، وتغيرات أحوالها وأوضاعها [ ص: 73 ] وكون الأرض تارة مظلمة وأخرى منورة إلى الله تعالى، وفي هذا إرشاد إلى ذلك، فإن ذكر المشرق والمغرب منبئ عن شروق الشمس وغروبها المنوطين بحركات السماوات وما فيها على نمط بديع يترتب عليه هذه الأوضاع الرصينة، وكل ذلك أمور حادثة لا شك في افتقارها إلى محدث قادر عليم حكيم، وارتكب - عليه السلام - الخشونة كما ارتكب معه بقوله: إن كنتم تعقلون أي: إن كنتم تعقلون شيئا من الأشياء، أو إن كنتم من أهل العقل علمتم أن الأمر كما قلته وأشرت إليه، فإن فيه تلويحا إلى أنهم بمعزل من دائرة العقل، وأنهم الأحقاء بما رموه به - عليه السلام - من الجنون.
وقرأ عبد الله وأصحابه «رب المشارق والمغارب» على الجمع فيهما، ولما سمع اللعين منه - عليه السلام - تلك المقالات المبينة على أساس الحكم البالغة، وشاهد شدة حزمه وقوة عزمه على تمشية أمره، وأنه ممن لا يجارى في حلبة المحاورة
والأعمش