نعم، ذكر في التوراة ما حاصله أن بني إسرائيل لما خرجوا كان أمامهم نهارا عمود من غمام وليلا عمود من نار؛ ليدلهم ذلك على الطريق، فلما طلبهم فرعون ورأوا جنوده خافوا جدا، ولاموا موسى - عليه السلام - في الخروج، وقالوا له: أمن عدم القبور بمصر أخرجتنا لنموت في البر؟! أما قلنا لك: دعنا نخدم المصريين فهو خير من موتنا في البر؟! فقال لهم موسى : لا تخافوا وانظروا إغاثة الله تعالى لكم، ثم أوحى الله تعالى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر فتحول عمود الغمام إلى ورائهم، وصار بينهم وبين فرعون وجنوده، ودخل الليل ولم يتقدم أحد من جنود فرعون طول الليل، وشق البحر، ثم دخل بنو إسرائيل، وليس في هذا ما يصحح أمر الحالية المذكورة، فتأمل.
وقرأ ، الأعمش «ترا» بغير همز على مذهب التخفيف بين بين، ولا يصح تحقيقها بالقلب للزوم ثلاث ألفات متسقة، وذلك مما لا يكون أبدا، قاله وابن وثاب أبو الفضل الرازي ، وقال : وقرأ ابن عطية «تريئي» بكسر الراء وبمد ثم بهمز، وروي مثله عن حمزة ، وروي عنه أيضا «تراءى» بالفتح والمد، وقال عاصم أبو جعفر أحمد بن علي الأنصاري في كتابه الإقناع: تراءى الجمعان في الشعراء إذا وقف عليها حمزة أمالا الألف المنقلبة عن لام الفعل، والكسائي يميل ألف تفاعل وصلا ووقفا كإمالة الألف المنقلبة، وقرئ «فلما تراءت» الفئتان. وحمزة
قال أصحاب موسى إنا لمدركون أي: لملحقون، جاؤوا بالجملة الاسمية مؤكدة بحرفي التأكيد للدلالة على تحقق الإدراك واللحاق وتنجيزهما، وأرادوا بذلك التحزن وإظهار الشكوى؛ طلبا للتدبير.
وقرأ ، الأعرج : (لمدركون) بفتح الدال مشددة وكسر الراء من الادراك بمعنى الفناء والاضمحلال، يقال: ادرك الشيء إذا فني تتابعا، وأصله التتابع، وهو ذهاب أحد على أثر آخر، ثم صار في عرف اللغة بمعنى الهلاك، وأن يفنى شيئا فشيئا حتى يذهب جميعه، وقد جاء التتابع بهذا المعنى في قول الحماسي: وعبيد بن عمير
[ ص: 85 ]
أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرجى حياة أم من الموت أجزع
والمعنى: إنا لهالكون على أيديهم شيئا فشيئا.