الذي خلقني صفة لـ(رب العالمين) ووصفه تعالى بذلك وبما عطف عليه - مع اندراج الكل تحت ربوبيته تعالى للعالمين - زيادة في الإيضاح في مقام الإرشاد، وقيل: تصريحا بالنعم الخاصة به - عليه السلام - وتفصيلا لها لكونها أدخل في اقتضاء تخصيص العبادة به تعالى، وقصر الالتجاء في جلب المنافع الدينية والدنيوية، ودفع المضار العاجلة والآجلة عليه تعالى.
فهو يهدين عطف على الصلة، أي: فهو يهديني وحده - جل شأنه - إلى كل ما يهمني ويصلحني من أمور المعاش والمعاد هداية متصلة بحين الخلق ونفخ الروح، متجددة على الاستمرار، كما ينبئ عنه الفاء وصيغة المضارع، فإنه تعالى يهدي كل ما خلقه لما خلق له هداية متدرجة من مبتدأ إيجاده إلى منتهى أجله، يتمكن بها من جلب منافعه ودفع مضاره، إما طبعا وإما اختيارا، مبدؤها - بالنسبة إلى الإنسان - هداية الجنين لامتصاص دم الطمث في المشهور، ومنتهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بنعيمها المقيم.
وجوز وغيره كون الموصول مبتدأ، وجملة ( هو يهدين ) خبره، ودخلت الفاء في خبره لتضمنه معنى الشرط، نحو: (الذي يأتيني فله درهم). الحوفي
وتعقبه بأن الفاء إنما يؤتى بها في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط إذا كان عاما، وهنا لا يتخيل فيه العموم، فليس ما نحن فيه نظير المثال. وأيضا الفعل الذي هو (خلق) مما لا يمكن فيه تجدد بالنسبة إلى أبو حيان إبراهيم - عليه السلام - فلعل ذلك على مذهب من جواز زيادة الفاء في الخبر مطلقا، نحو: (زيد فاضربه)، وأجيب بأن اشتراط [ ص: 96 ] العموم غير مسلم - كما فصله الرضي - وإنما هو أغلبي، وبأن مطلق الخلق مما يمكن فيه التجدد وهو ممكن الإرادة، وإن ظهر في صورة المخصوص وتسبب الخلق للهداية بمقتضى الحكمة. وقيل: إنه سبب للإخبار بها لتحققها وليس بشيء، ويلزم على الإعراب المذكور أن يكون الموصول في قوله سبحانه:
الأخفش