رب هب لي حكما لما ذكر لهم من صفاته - عز وجل - مما يدل على كمال لطفه تعالى به ما ذكر حمله ذلك على مناجاته تعالى ودعائه لربط العتيد وجلب المزيد.
والمراد بالحكم - على ما اختاره الإمام - الحكمة التي هي كمال القوة العلمية، بأن يكون عالما بالخير لأجل العمل به، وقيل: الأولى أن يفسر بكمال العلم المتعلق بالذات والصفات وسائر شؤونه - عز وجل - وأحكامه التي يتعبد بها. وقيل: هي النبوة، ورد بأنها كانت حاصلة له عليه السلام، فالمطلوب إما عين الحاصل وهو محال ضرورة امتناع تحصيل الحاصل أو غيره وهو محال أيضا؛ لأن الشخص الواحد لا يكون نبيا مرتين.
وأجيب بمنع كونها حاصلة وقت الدعاء - سلمنا ذلك - إلا أنه لا محذور لجواز أن يكون المراد طلب كمالها، ويكون بمزيد القرب والوقوف على الأسرار الإلهية، والأنبياء - عليهم السلام - متفاوتون في ذلك. وجوز أن يكون المراد طلب الثبات، ولا يجب على الله تعالى شيء.
والمراد بقوله: وألحقني بالصالحين طلب كمال القوة العملية بأن يكون موفقا لأعمال ترشحه للانتظام في زمرة الكاملين الراسخين في الصلاح، المنزهين عن كبائر الذنوب وصغائرها، وقدم الدعاء الأول على الثاني؛ لأن القوة العلمية مقدمة على القوة العملية؛ لأنه يمكن أن يعلم الحق - وإن لم يعمل به - وعكسه غير ممكن، ولأن العلم صفة الروح والعمل صفة البدن، فكما أن الروح أشرف من البدن كذلك العلم أشرف من العمل، وقيل: المراد بالحكم الحكمة التي هي الكمال في العلم والعمل.
والمراد بقوله: وألحقني إلخ، طلب الكمال في العمل، وذكره بعد ذلك تخصيص بعد تعميم؛ اعتناء بالعمل من حيث إنه النتيجة والثمرة للعلم. وقيل: المراد بالأول ما يتعلق بالمعاش وبالثاني ما يتعلق بالمعاد. وقيل: المراد بالحكم رياسة الخلق وبالإلحاق بالصالحين التوفيق للعدل فيما بينهم مع القيام بحقوقه تعالى. وقيل: المراد بهذا الجمع بينه - عليه السلام - وبين الصالحين في الجنة، وأنت تعلم أنه لا يحسن بعد هذا الدعاء طلبه أن يكون من ورثة جنة النعيم، والأولى عندي أن يفسر الحكم بالحكمة بمعنى الكمال في العلم والعمل، والإلحاق بالصالحين بجعل منزلته كمنزلتهم عنده - عز وجل - والمراد بطلب ذلك أن يكون علمه وعمله مقبولين؛ إذ ما لم يقبلا لا يلحق صاحبهما بالصالحين، ولا تجعل منزلته كمنزلتهم، وكأنه لذلك عدل عن قول: (رب هب لي حكما وصلاحا) أو (رب هب لي حكما واجعلني من الصالحين) إلى ما في النظم الكريم، فتأمل ولا تغفل.