وقيل: هو استثناء من فاعل ( ينفع ) و(من) في محل رفع بدل منه، والكلام على تقدير مضاف إلى (من) أي: لا ينفع مال ولا بنون إلا مال وبنون من أتى الله بقلب سليم، حيث أنفق ماله في سبيل البر، وأرشد بنيه إلى الحق، وحثهم على الخير، وقصد بهم أن يكونوا عبادا لله تعالى مطيعين شفعاء له يوم القيامة.
وقيل: هو استثناء مما دل عليه المال والبنون دلالة الخاص على العام، أعني مطلق الغنى، والكلام بتقدير مضاف أيضا كأنه قيل: يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم، وغناه سلامة قلبه، وهو من الغنى الديني، وقد أشير إليه في بعض الأخبار.
أخرج ، أحمد ، والترمذي ، عن وابن ماجه ثوبان قال: والذين يكنزون الذهب والفضة الآية قال بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو علمنا أي المال خير اتخذناه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه». لما نزلت:
وقيل: هو استثناء منقطع من ( مال ) والكلام أيضا على تقدير مضاف، [ ص: 101 ] أي: لا ينفع مال ولا بنون إلا حال من أتى الله بقلب سليم، والمراد بحاله سلامة قلبه، قال : ولا بد من تقدير المضاف ولو لم يقدر لم يحصل للاستثناء معنى، ومنع ذلك الزمخشري بأنه لو قدر مثلا: (لكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو ينتفع) يستقيم المعنى. أبو حيان
وأجاب عنه في الكشف بأن المراد أنه على طريق الاستثناء من (مال) لا يتحصل المعنى بدون تقدير المضاف، وما ذكره المانع استدراك (من) مجموع الجملة إلى جملة أخرى، وليس من المبحث في شيء، ولما لم يكن هذا مناسبا للمقام جعله مفروغا عنه فلم يلم عليه بوجه، وقد جوز اتصال الاستثناء بتقدير الحال على جعل الكلام من باب: الزمخشري
تحية بينهم ضرب وجيع
ومثاله أن يقال: هل لزيد مال وبنون؟ فتقول: ماله وبنوه سلامة قلبه، تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب بدلا عن ذلك.
هذا، وكون المراد من القلب السليم القلب السليم عن مرض الكفر والنفاق هو المأثور عن ، ابن عباس ، ومجاهد وقتادة وغيرهم، وقال الإمام: هو الخالي عن العقائد الفاسدة والميل إلى شهوات الدنيا ولذاتها، ويتبع ذلك الأعمال الصالحات؛ إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها في الجوارح. وابن سيرين
وقال : هو الذي ليس فيه غير الله - عز وجل - وقال سفيان - قدس سره -: هو اللديغ من خشية الله تعالى، القلق المنزعج من مخافة القطيعة، وشاع إطلاق السليم في لسان الجنيد العرب على اللديغ، وقيل: هو الذي سلم من الشرك والمعاصي، وسلم نفسه لحكم الله تعالى، وسالم أولياءه وحارب أعداءه، وأسلم حيث نظر، فعرف واستسلم وانقاد لله تعالى وأذعن لعبادته سبحانه، والأنسب بالمقام المعنى المأثور وما ذكر من تأويلات الصوفية وقال في الكشاف - فيما نقل عن الجنيد قدس سره وما بعده -: إنه من بدع التفاسير، وصدقه بذلك في شأن الأول. أبو حيان