الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية أي يعممون الأوقات والأحوال بالخير والصدقة، فالمراد بالليل والنهار جميع الأوقات كما أن المراد بما بعده جميع الأحوال، وقدم الليل على النهار والسر على العلانية للإيذان بمزية الإخفاء على الإظهار، وانتصاب (سرا وعلانية) على أنهما مصدران في موضع الحال أي مسرين [ ص: 48 ] ومعلنين، أو على أنهما حالان من ضمير الإنفاق على مذهب أو نعتان لمصدر محذوف أي إنفاقا سرا، والباء بمعنى في، واختلف فيمن نزلت، فأخرج سيبويه، عبد الرزاق عن وابن المنذر رضي الله تعالى عنهما: ابن عباس أنها نزلت في كرم الله تعالى وجهه كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما، وسرا درهما وعلانية درهما، وفي رواية علي " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ قال: حملني أن استوجب على الله تعالى الذي وعدني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن ذلك لك ". الكلبي:
وأخرج عن ابن المنذر أن الآية كلها في ابن المسيب عثمان بن عفان في نفقتهم في جيش العسرة، وأخرج وعبد الرحمن بن عوف عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق والواحدي حسن بن عبد الله الصنعاني أنه سمع رضي الله تعالى عنهما يقول في هذه الآية: ابن عباس الذين ينفقون الخ: هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله تعالى وهو قول أبي أمامة وأبي الدرداء ومكحول والأوزاعي ورباح بن يزيد ولا يأبى ذلك ذكر السر والعلانية كما لا يخفى، وقال بعضهم: إنها نزلت في رضي الله تعالى عنه تصدق بأربعين ألف دينار؛ عشرة بالليل وعشرة بالنهار وعشرة بالسر وعشرة بالعلانية، وتعقبه الإمام أبي بكر الصديق السيوطي بأن حديث تصدقه بأربعين ألف دينار رواه في «تاريخه» عن ابن عساكر رضي الله تعالى عنهما، وخبر أن الآية نزلت فيه لم أقف عليه، وكأن من ادعى ذلك فهمه مما أخرجه عائشة عن ابن المنذر ابن إسحق قال: لما قبض رضي الله تعالى عنه واستخلف أبو بكر خطب الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إن بعض الطمع فقر وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون مالا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون، واعلموا أن بعضا من الشح شعبة من النفاق فأنفقوا خيرا لأنفسكم فأين أصحاب هذه الآية وقرأ الآية الكريمة، وأنت تعلم أنها لا دلالة فيها على المدعي عمر فلهم أجرهم المخبوء لهم في خزائن الفضل عند ربهم والفاء داخلة في حيز الموصول للدلالة على سببية ما قبلها، وقيل: للعطف، والخبر محذوف، أي ومنهم الذين الخ، ولذلك جوز الوقف على علانية.
ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ 274 ] تقدم تفسيره والإشارة في الآيات ظاهرة.