قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا الكلام فيه نظير ما تقدم في قصة ثمود، بيد أنه أدخل الواو بين الجملتين هنا للدلالة على أن كلا من التسحير والبشرية مناف للرسالة، فكيف إذا اجتمعا؟ وأرادوا بذلك المبالغة في التكذيب، ولم تدخل هناك حيث لم يقصد إلا معنى واحد، وهو كونه مسحرا، ثم قرر بكونه بشرا مثلهم كذا في الكشاف، وفي الكشف أن فيه ما يلوح إلى اختصاص كل بموضعه، وأن الكلام هنالك في كونه مثلهم غير ممتاز بما يوجب الفضيلة، ولهذا عقبوه بقولهم: فأت بآية فدل على أنهم لم يجعلوا البشرية منافية للنبوة، وإنما جعلوا الوصف تمهيدا للاشتراك وأنه أبدع في دعواه، وهاهنا ساقوا ذلك مساق ما ينافي النبوة فجعلوا كل واحد صفة مستقلة في المنافاة ليكون أبلغ، وجعلوا إنكار النبوة أمرا مفروغا ولذا عقبوه بقولهم: وإن نظنك إلخ، وقال النيسابوري في وجه الاختصاص: إن صالحا - عليه السلام - قلل في الخطاب فقللوا في الجواب، وأكثر شعيب - عليه السلام - في الخطاب - ولهذا قيل له: خطيب الأنبياء - فأكثروا في الجواب، ولعله أراد أن شعيبا - عليه السلام - بالغ في زجرهم فبالغوا في تكذيبه، ولا كذلك صالح - عليه السلام - مع قومه فتأمل.
(وإن) في قوله سبحانه: وإن نظنك لمن الكاذبين هي المخففة من الثقيلة واللام في (لمن) هي الفارقة، وقال الكوفيون: (إن) نافية و(اللام) بمعنى إلا وهو خلاف مشهور، أي: وإن الشأن نظنك من الكاذبين في الدعوى، أو ما نظنك إلا من الكاذبين فيها، ومرادهم أنه - عليه السلام وحاشاه - راسخ القدم في الكذب في دعواه الرسالة، أو فيها وفي دعوى نزول العذاب الذي يشعر به الأمر بالتقوى من التهديد، وظاهر حالهم أنهم عنوا بالظن الإدراك الجازم.