والمصحح لهذا المجاز إمهاله تعالى الشيطان وتخليته حتى يزين لهم، والداعي له إلى أحد الأمرين إيجاب رعاية الأصلح عليه - عز وجل - ونسب إلى أن المراد بالأعمال الأعمال الحسنة، وتزيينها بيان حسنها في أنفسها حالا واستتباعها لفنون المنافع مآلا، أي: زينا لهم الأعمال الحسنة فهم يترددون في الضلال والإعراض عنها. الحسن
والفاء عليه لترتيب ضد المسبب على السبب كما في قولك: وعظته فلم يتعظ، وفيه إيذان بكمال عتوهم ومكابرتهم وتعكيسهم الأمور، وتعقب هذا القول بأن التزيين قد ورد غالبا في غير الخير، نحو قوله تعالى: زين للناس حب الشهوات زين للذين كفروا الحياة الدنيا زين لكثير من المشركين إلخ، ووروده في الخير قليل، نحو قوله تعالى: حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ويبعد حمل الأعمال على الأعمال الحسنة إضافتها إلى ضميرهم وهم لم يعملوا حسنة أصلا، وكون إضافتها إلى ذلك باعتبار أمرهم بها وإيجابها عليهم لا يدفع البعد.
وذكر الطيبي أنه يؤيد ما ذكر أولا أن وزان فاتحة هذه السورة إلى هاهنا وزان فاتحة البقرة، فقوله تعالى: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة كقوله تعالى: ( إن الذين كفروا ) وقوله سبحانه: زينا لهم أعمالهم كقوله جل وعلا: ختم الله على قلوبهم .
وقد سبق بيان وجه دلالة ذلك على مذهب الجماعة هناك، وأن التركيب من باب تحقيق الخبر، وأن المعنى استمرارهم على الكفر، وأنهم بحيث لا يتوقع منهم الإيمان ساعة فساعة أمارة لرقم الشقاء عليهم في الأزل والختم على قلوبهم، وأنه تعالى زين لهم سوء أعمالهم فهم لذلك في تيه الضلال يترددون، وفي بيداء الكفر يعمهون، ودل على هذا التأويل إيقاع لفظ المضارع في صلة الموصول والماضي في خبره، وترتيب قوله تعالى: فهم يعمهون بالفاء عليه، واختصاص الخطاب بما يدل على الكبرياء والجبروت من باب تحقيق الخبر نحو قول الشاعر:
إن التي ضربت بيتا مهاجرة بكوفة الجند غالت ودها غول
[ ص: 158 ] وفي الأخبار الصحيحة ما ينصر هذا التأويل أيضا