فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل،
وأخرج من طريق ابن مردويه علي بن عاصم عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سأله أي الأجلين قضى موسى؟ فقال: لا أدري حتى أسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: لا أدري حتى أسأل جبريل عليه السلام فسأل جبريل فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل عليه السلام فسأل ميكائيل فقال: لا أدري حتى أسأل الرفيع فسأل الرفيع فقال: لا أدري حتى أسأل إسرافيل عليه السلام فسأل إسرافيل فقال: لا أدري حتى أسأل ذا العزة جل جلاله فنادى إسرافيل بصوته الأشد يا ذا العزة أي الأجلين قضى موسى؟ قال: «أتم الأجلين وأطيبهما عشر سنين».
قال علي بن عاصم: فكان أبو هارون إذا حدث بهذا الحديث يقول: حدثني عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن أبو سعيد جبريل عن ميكائيل عن [ ص: 72 ] الرفيع عن إسرافيل عن ذي العزة تبارك وتعالى «أن موسى قضى أتم الأجلين وأطيبهما عشر سنين»
والفاء قيل: فصيحة أي فعقد العقدين وباشر موسى ما أريد منه فلما أتم الأجل وسار بأهله قيل: نحو مصر بإذن من شعيب عليه السلام لزيارة والدته وأخيه وأخته وذوي قرابته وكأنه عليه السلام أقدمه على ذلك طول مدة الجناية وغلبة ظنه خفاء أمره، وقيل: سار نحو بيت المقدس وهذا أبعد عن القيل والقال.
آنس من جانب الطور أي أبصر من الجهة التي تلي الطور لا من بعضه كما هو المتبادر، وأصل الإيناس على ما قيل الإحساس فيكون أعم من الإبصار، وقال هو الإبصار البين الذي لا شبهة فيه ومنه إنسان العين لأنه يبين به الشيء والإنس لظهورهم كما قيل: الجن لاستتارهم، وقيل: هو إبصار ما يؤنس به، نارا استظهر بعضهم أن المبصر كان نورا حقيقة إلا أنه عبر عنه بالنار اعتبارا لاعتقاد الزمخشري: موسى عليه السلام، وقال بعض العارفين: كان المبصر في صورة النار الحقيقية وأما حقيقته فوراء طور العقل إلا أن موسى عليه السلام ظنه النار المعروفة قال لأهله امكثوا أي أقيموا مكانكم وكان معه عليه السلام على قول امرأته وخادم ويخاطب الاثنان بصيغة الجمع، وعلى قول آخر كان معه ولدان له أيضا اسم الأكبر جيرشوم واسم الأصغر أليعازر ولدا له زمان إقامته عند شعيب وهذا مما يتسنى على القول بأنه عليه السلام دخل على زوجته قبل الشروع فيما أريد منه، وأما على القول بأنه لم يدخل عليها حتى أتم الأجل فلا يتسنى إلا بالتزام أنه عليه السلام مكث بعد ذلك سنين، وقد قيل به، أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وابن أبي حاتم قال: قضى مجاهد موسى عشر سنين ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى، وعن أنه عليه السلام ولد له ولد في الطريق ليلة إيناس النار، وفي البحر أنه عليه السلام خرج بأهله وماله في فصل الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك وهب الشام وامرأته حامل لا يدري أليلا تضع أم نهارا فسار في البرية لا يعرف طرقها فألجأه السير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد، وقيل: كان لغيرته على حرمه يصحب الرفقة ليلا ويفارقهم نهارا فأضل الطريق يوما حتى أدركه الليل فأخذ امرأته الطلق فقدح زنده فأصلد فنظر فإذا نار تلوح من بعد فقال امكثوا إني آنست) نارا (لعلي آتيكم منها بخبر أي بخبر الطريق بأن أجد عندها من يخبرني به وقد كانوا كما سمعت ضلوا الطريق، والجملة استئناف في معنى التعليل للأمر أو جذوة أي عود غليظ سواء كان في رأسه نار كما في قوله:
وألقى على قيس من النار جذوة شديدا عليها حرها والتهابها
أو لم تكن كما في قوله:
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزل الجذا غير خوار ولا دعر
ولذا بينت كما قال بعض المحققين بقوله تعالى: من النار وجعلها نفس النار للمبالغة كأنها لتشبث النار بها استحالت نارا، وقال الجذوة ما يبقى من الحطب بعد الالتهاب، وفي معناه قول الراغب: أبي حيان: عود فيه نار بلا لهب، وأخرج عن ابن أبي حاتم قال: هي عود من حطب فيه النار. [ ص: 73 ] وأخرج هو وجماعة عن ابن زيد أنها أصل شجرة في طرفها النار، قيل: فتكون (من) على هذا للابتداء، والمراد بالنار هي التي آنسها. قتادة
وقرأ الأكثر «جذوة» بكسر الجيم والأعمش وطلحة وأبو حيوة بضمها وحمزة لعلكم تصطلون تستدفئون وتتسخنون بها، وفيه دليل على أنهم أصابهم برد.