إنك لا تهدي هداية موصلة إلى [ ص: 96 ] البغية لا محالة من أحببت أي كل من أحببته طبعا من الناس قومك وغيرهم ولا تقدر أن تدخله في الإسلام وإن بذلت فيه غاية المجهود وجاوزت في السعي كل حد معهود، وقيل: من أحببت هدايته.
ولكن الله يهدي من يشاء هدايته فيدخله في الإسلام وهو أعلم بالمهتدين بالمستعدين لذلك وهم الذين يشاء سبحانه هدايتهم ومنهم الذين ذكرت أوصافهم من أهل الكتاب، وأفعل للمبالغة في علمه تعالى.
وقيل: يجوز أن يكون على ظاهره، وأفاد كلام بعضهم أن المراد أنه تعالى أعلم بالمهتدي دون غيره عز وجل، وحيث قرنت هداية الله تعالى بعلمه سبحانه بالمهتدي وأنه جل وعلا العالم به دون غيره دل على أن المراد بالمهتدي المستعد دون المتصف بالفعل فيلزم أن تكون هدايته إياه بمعنى القدرة عليها، وحيث كانت هدايته تعالى لذلك بهذا المعنى، وجيء بـ لكن متوسطة بينها وبين الهداية المنفية عنه صلى الله تعالى عليه وسلم لزم أن تكون تلك الهداية أيضا بمعنى القدرة عليها لتقع لكن في موضعها، ولذا قيل: المعنى إنك لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت لأنك عبد لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره ولكن الله تعالى يقدر على أن يدخل من يشاء إدخاله وهو الذي علم سبحانه أنه غير مطبوع على قلبه، وللبحث فيه مجال، وظاهر عبارة الكشاف حمل نفي الهداية في قوله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت على نفي القدرة على الإدخال في الإسلام وإثباتها في قوله سبحانه: ولكن الله يهدي من يشاء على وقوع الإدخال في الإسلام بالفعل، وهذا ما اعتمدناه في تفسير الآية، ووجهه أن مساق الآية لتسليته صلى الله تعالى عليه وسلم حيث لم ينجع في قومه الذين يحبهم ويحرص عليهم أشد الحرص إنذاره عليه الصلاة والسلام إياهم وما جاء به إليهم من الحق بل أصروا على ما هم عليه، وقالوا: لولا أوتي مثل ما أوتي موسى [القصص: 48] ثم كفروا به وبموسى عليهما الصلاة والسلام فكانوا على عكس قوم هم أجانب عنه صلى الله تعالى عليه وسلم حيث آمنوا بما جاء به من الحق وقالوا: إنه الحق من ربنا ثم صرحوا بتقادم إيمانهم به وأشاروا بذلك إلى إيمانهم بنبيهم وبما جاءهم به أيضا فلو لم يحمل إنك لا تهدي من أحببت على نفي القدرة على إدخال من أحبه عليه الصلاة والسلام في الإسلام بل حمل على نفي وقوع إدخاله صلى الله تعالى عليه وسلم إياه فيه لبعد الكلام عن التسلية وقرب إلى العتاب فإنه على طرز قولك لمن له أحباب لا ينفعهم إنك لا تنفع أحبابك وهو إذا لم يؤول بأنك لا تقدر على نفع أحبابك فإنما يقال على سبيل العتاب أو التوبيخ أو نحوه دون سبيل التسلية، ولما كان لهدايته تعالى أولئك الذين أوتوا الكتاب مدخلا فيما يستدعي التسلية كان المناسب إبقاء ولكن الله يهدي من يشاء على ظاهره من وقوع الهداية بالفعل دون القدرة على الهداية، وإثبات ذلك له تعالى فرع إثبات القدرة ففي إثباته إثباتها لا محالة فيصادف الاستدراك المحز، وحمل المهتدين على المستعدين للهداية لا يستدعي حمل يهدي على يقدر على الهداية فما ذكر من اللزوم ممنوع ويجوز أن يراد بالمهتدين المتصفون بالهداية بالفعل، والمراد بعلمه تعالى بهم مجازاته سبحانه على اهتدائهم فكأنه قيل: وهو تعالى أعلم بالمهتدين كأولئك الذين ذكروا من أهل الكتاب فيجازيهم على اهتدائهم بأجر أو بأجرين فتأمل، والآية على ما نطقت به كثير من الأخبار نزلت في أبي طالب.
أخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن أبي حاتم وابن مردويه في الدلائل عن والبيهقي قال: أبي هريرة أبي طالب أتاه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: يا عماه قل لا إله إلا الله [ ص: 97 ] أشهد لك بها عند الله يوم القيامة. فقال: لولا أن يعيروني قريش يقولون: ما حمله عليها إلا جزعه من الموت لأقررت بها عينك، فأنزل الله تعالى إنك لا تهدي من أحببت الآية. لما حضرت وفاة
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم، عن والنسائي عن أبيه نحو ذلك، وأخرج سعيد بن المسيب أبو سهل السري بن سهل من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن أنه قال: ابن عباس إنك لا تهدي من أحببت إلخ نزلت في أبي طالب ألح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يسلم فأبى فأنزل الله تعالى هذه الآية وقد روى نزولها فيه عنه أيضا ومسألة إسلامه خلافية، وحكاية إجماع المسلمين أو المفسرين على أن الآية نزلت فيه لا تصح فقد ذهب ابن مردويه، الشيعة وغير واحد من مفسريهم إلى إسلامه وادعوا إجماع أئمة أهل البيت على ذلك وأن أكثر قصائده تشهد له بذلك وكأن من يدعي إجماع المسلمين لا يعتد بخلاف الشيعة ولا يعول على رواياتهم، ثم إنه على القول بعدم إسلامه لا ينبغي سبه والتكلم فيه بفضول الكلام فإن ذلك مما يتأذى به العلويون بل لا يبعد أن يكون مما يتأذى به النبي عليه الصلاة والسلام الذي نطقت الآية بناء على هذه الروايات بحبه إياه، والاحتياط لا يخفى على ذي فهم.
ولأجل عين ألف عين تكرم