وما كان ربك مهلك القرى بيان للعناية الربانية إثر بيان إهلاك القرى المذكورة أي وما صح وما استقام أو ما كان في حكمه الماضي وقضائه السابق أن يهلك القرى قبل الإنذار بل كانت سنته عز وجل أن لا يهلكها حتى يبعث في أمها أي في أصلها وكبيرتها التي ترجع تلك القرى إليها رسولا يتلو عليهم آياتنا الناطقة بالحق ويدعوهم إليه بالترغيب والترهيب، وإنما لم يهلكهم سبحانه حتى يبعث إليهم رسولا لإلزام الحجة وقطع المعذرة بأن يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك، وإنما كان البعث في أم القرى لأن في أهل البلدة الكبيرة وكرسي المملكة ومحل الأحكام فطنة وكيسا فهم أقبل للدعوة وأشرف.
وأخرج عبد بن حميد عن وابن أبي حاتم أن قتادة أم القرى مكة والرسول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم
فالمراد بالقرى القرى التي كانت في عصره عليه الصلاة والسلام والأولى أولى، والالتفات إلى نون العظمة في آياتنا لتربية المهابة وإدخال الروعة وقرئ «في إمها» بكسر الهمزة اتباعا للميم وما كنا مهلكي القرى عطف على وما كان ربك مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد ما بعثنا في أمها رسولا يدعوهم إلى الحق ويرشدهم إليه في حال من الأحوال إلا حال كونهم ظالمين بتكذيب رسولنا والكفر بآياتنا فالبعث غاية لعدم صحة الإهلاك بموجب السنة الإلهية لا لعدم وقوعه حتى يلزم تحقق الإهلاك عقيب البعث