وفي البحر دل أصبح إذا حمل على ظاهره على أن الخسف به وبداره كان ليلا وهو أفظع العذاب إذ الليل مقر الراحة والسكون، وقال بعضهم: هي بمعنى صار أي صار المتمنون.
يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر أي يفعل كل واحد من البسط والقدر أي التضييق والقتر لا لكرامة توجب البسط ولا لهوان يوجب التضييق، ووي عند الخليل اسم فعل ومعناها أعجب وتكون للتحسر والتندم أيضا كما صرحوا به، وعن وسيبويه أن القوم ندموا فقالوا متندمين على ما سلف منهم «وي» وكل من ندم وأراد إظهار ندمه قال «وي» ولعل الأظهر إرادة التعجب بأن يكونوا تعجبوا أولا مما وقع وقالوا ثانيا كأن إلخ وكأن فيه عارية عن معنى التشبيه جيء بها للتحقيق كما قيل ذلك في قوله: الخليل
وأصبح بطن مكة مقشعرا كأن الأرض ليس بها هشام
وأنشد أبو علي:
كأنني حين أمسي لا تكلمني متيم يشتهي ما ليس موجودا
وقيل: هي غير عارية عن ذلك، والمراد تشبيه الحال المطلق بما في حيزها إشارة إلى أنه لتحققه وشهرته يصلح أن يشبه به كل شيء وهو كما ترى وزعم الهمداني أن ذهب إلى أن «وي» للتندم وكأن للتعجب والمعنى ندموا متعجبين في أن الله تعالى يبسط إلخ، وفيه أن كون كأن للتعجب مما لم يعهد، وأيا ما كان فالوقف كما في البحر على (وي والقياس كتابتها مفصولة وكتبت متصلة بالكاف لكثرة الاستعمال وقد كتبت على القياس في قول الخليل زيد بن عمرو بن نفيل:
وي كأن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
وقال الكاف متصلة بها وهي اسم فعل بمعنى أعجب والكاف حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب كما قالوا في ذلك ونحوه، والوقف على ويك، وعلى ذلك جاء قول الأخفش: عنترة:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
و (أن عنده مفتوحة الهمزة بتقدير العلم أي أعلم أن الله إلخ، وذهب الكسائي ويونس وغيرهم إلى أن أصله ويلك فخفف بحذف اللام فبقي ويك، وهي للردع والزجر والبعث على ترك ما لا يرضى، وقال وأبو حاتم هي كلمة تحزن وأنشد في التحقيق قوله: أبو حيان:
ألا ويك المضرة لا تدوم ولا يبقى على البؤس النعيم
والكاف على هذا في موضع جر بالإضافة، والعامل في أن فعل العلم المقدر كما سمعت أو هو بتقدير لأن على أنه بيان للسبب الذي قيل لأجله ويك، وحكى عن بعض أهل العلم أن معنى ويك رحمة لك بلغة ابن قتيبة حمير، وقال ويك في كلام الفراء: العرب كقول الرجل: ألا ترى إلى صنع الله تعالى شأنه، وقال أبو زيد وفرقة [ ص: 125 ] معه: وروي عن رضي الله تعالى عنهما ويكأن حرف واحد بجملته وهو بمعنى ألم تر. ابن عباس
لولا أن من الله علينا بعدم إعطائه تعالى ما تمنيناه من إعطائنا مثل ما أعطاه قارون لخسف بنا أي الأرض كما خسف به أو لولا أن من الله تعالى علينا بالتجاوز عن تقصيرنا في تمنينا ذلك لخسف بنا جزاء ذلك كما خسف به جزاء ما كان عليه. وقرأ «لولا (من) » بحذف (أن) وهي مرادة، وروي عنه من الله برفع من والإضافة. الأعمش
وقرأ الأكثر «لخسف بنا» على البناء للمفعول (وبنا) هو القائم مقام الفاعل، وجوز أن يكون ضمير المصدر أي لخسف هو أي الخسف بنا على معنى لفعل الخسف بنا، وقرأ ابن مسعود وطلحة «لانخسف بنا» على البناء للمفعول أيضا (وبنا) أو ضمير المصدر قائم مقام الفاعل، وعنه أيضا « (لتخسف) » بتاء وشد السين (مبنيا) للمفعول والأعمش ويكأنه لا يفلح الكافرون لنعمة الله تعالى أو المكذبون برسله عليهم السلام وبما وعدوا من ثواب الآخرة، والكلام في- ويكأن- هنا كما تقدم بيد أنه جوز هنا أن يكون لأن على بعض الاحتمالات تعليلا لمحذوف بقرينة السياق أي لأنه لا يفلح الكافرون فعل ذلك أي الخسف بقارون، واعتبار نظيره فيما سبق دون اعتبار هذا هنا، وضمير ويكأنه للشأن.
هذا وفي مجمع البيان أن قصة قارون متصلة بقوله تعالى: نتلو عليك من نبإ موسى [القصص: 3] عليه السلام، وقيل: هي متصلة بقوله سبحانه: فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى ، وقيل: لما تقدم خزي الكفار وافتضاحهم يوم القيامة ذكر تعالى عقيبه أن قارون من جملتهم وأنه يفتضح يوم القيامة كما افتضح في الدنيا، ولما ذكر سبحانه فيما تقدم قول أهل العلم ثواب الله خير