كدأب آل فرعون الدأب العادة والشأن، وأصله من دأب في الشيء دأبا ودءوبا إذا اجتهد فيه وبالغ أي حال هؤلاء في الكفر واستحقاق العذاب كحال آل فرعون فالجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف، والجملة منفصلة عما قبلها مستأنفة استئنافا بيانيا بتقدير ما سبب هذا على ما قاله بعض المحققين. ومن الناس من جوز أن يكون الجار متعلقا بمحذوف وقع صفة لمصدر تغني أي إغناء كائنا كعدم إغناء، [ ص: 94 ] أو بوقود أي توقد بهم كما توقد بأولئك ولا يخفى ما في الوجهين أما الأول: فقد قال فيه إنه ضعيف للفصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي، و (أولئك) الخ إذا قدرت معطوفة، فإن قدرت استئنافية وهو بعيد جاز. أبو حيان:
وأما الثاني: فقد اعترضه بأن الوقود على المشهور الأظهر فيه اسم لما يوقد به وإذا كان اسما فلا عمل له، فإن قيل إنه مصدر كما في قراءة الحلبي صح لكنه لم يصح وأورد عليهما معا أنهما خلاف الظاهر لأن المذكور في تفسير الدأب إنما هو التكذيب والأخذ من غير تعرض لعدم الإغناء لا سيما على تقدير كون (من) بدلية ولا لإيقاد النار، فليفهم. الحسن
والذين من قبلهم وهم كفار الأمم الماضية فالضمير لآل فرعون، وقيل: للذين كفروا، والمراد بالموصول معاصرو رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوا بآياتنا تفسير لدأبهم الذي فعلوا على سبيل الاستئناف البياني، والمراد بالآيات إما المتلوة في كتب الله تعالى أو العلامات الدالة على توحيد الله تعالى وصدق أنبيائه عليهم الصلاة والسلام فأخذهم الله تفسير لدأبهم الذي فعل بهم أي فعاقبهم الله تعالى ولم يجدوا من بأس الله تعالى محيصا، وقيل: إن جملة كذبوا الخ في حيز النصب على الحال من آل فرعون والذين من قبلهم بإضمار قد، ويجوز على بعد أن تكون في حيز الرفع على أنها خبر عن (الذين)، والالتفات للتكلم أولا: في آياتنا للجري على سنن الكبرياء وإلى الغيبة، ثانيا: بإظهار الجلالة لتربية المهابة وإدخال الروعة، بذنوبهم أي بسببها أو متلبسين بها غير تائبين، والمراد من الذنوب على الأول: التكذيب بالآيات المتعددة، وجيء بالسببية تأكيدا لما تفيده الفاء، وعلى الثاني: سائر الذنوب، وفي ذلك إشارة إلى أن لهم ذنوبا أخر، وأصل الذنب التلو والتابع، ثم أطلق على الجريمة لأنها يتلو أي يتبع عقابها فاعلها والله شديد العقاب [ 11 ] ولمن كفر بآياته، والجملة تذييل مقررة لمضمون ما قبلها من الأخذ.