وقوله تعالى: وله الحمد إلخ، اعتراض بينهما، ومعناه أن على المميزين كلهم من أهل السماوات والأرض أن يحمدوه.
وإلى كون الجملة معترضة ذهب أيضا، وجعل قوله تعالى: أبو البقاء في السماوات حالا من الحمد، وفي جواز مجيء الحال منه على احتمال كونه مبتدأ، وهو الظاهر خلاف، ولعل من لا يجوز ذلك يجعل الجار متعلقا بالثبوت الذي تقتضيه النسبة، والمراد بالتسبيح والحمد ظاهرهما على ما ذهب إليه جمع من الأجلة، وقيل: المراد بالتسبيح الصلاة، وأخرج ، عبد الرزاق والفريابي ، ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني وصححه عن والحاكم أبي رزين قال: جاء نافع بن الأزرق إلى فقال: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ فقال: نعم، فقرأ ابن عباس فسبحان الله حين تمسون صلاة المغرب، وحين تصبحون صلاة الصبح، وعشيا صلاة العصر وحين تظهرون صلاة الظهر، وقرأ: ومن بعد صلاة العشاء
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، وابن جرير عنه قال: جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة وابن المنذر فسبحان الله حين تمسون المغرب والعشاء وحين تصبحون الفجر وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر، وذهب إلى ذلك حتى أنه ذهب إلى أن الآية مدنية، لما أنه يرى فرضية الخمس الحسن بالمدينة، وأنه كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقت الصلاة فيه، والصحيح أنها فرضت بمكة ، ويدل عليه حديث المعراج دلالة بينة.
واختار الإمام حمل الرازي على التنزيه، فقال: إنه أقوى والمصير إليه أولى، لأنه يتضمن الصلاة، وذلك لأن التنزيه المأمور به يتناول التنزيه بالقلب، وهو الاعتقاد الجازم، وباللسان مع ذلك وهو الذكر الحسن ، وبالأركان معهما جميعا، وهو العمل الصالح، والأول هو الأصل، والثاني ثمرة الأول، والثالث ثمرة الثاني، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد شيئا ظهر من قلبه على لسانه، وإذا قال ظهر صدقه في مقاله من أحوال أفعاله، واللسان ترجمان الجنان، والأركان برهان اللسان، لكن التسبيح وهي مشتملة على الذكر باللسان، والقصد بالجنان، فهو تنزيه في التحقيق، فإذا قال سبحانه: نزهوني، وهذا نوع من أنواع التنزيه، والأمر المطلق لا يختص بنوع دون نوع، فيجب حمله على كل ما هو تنزيه، فيكون هذا أمرا بالصلاة، ثم إن قولنا يناسبه ما تقدم وذلك لأن الله تعالى لما بين أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل الصالحات حيث قال عز وجل: الصلاة أفضل أعمال الأركان، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون قال سبحانه: إذا علمتم أن ذلك المقام لمن آمن وعمل الصالحات، والإيمان تنزيه بالجنان، وتوحيد باللسان، والعمل الصالح استعمال الأركان، فالكل تنزيهات وتحميدات فسبحان الله، أي فأتوا بذلك الذي هو الموصل إلى الحبور في الرياض والحضور على الحياض اهـ، وأنا بالإمام أقتدي في دعوى أولوية الحمل على الظاهر، وأختار أيضا أن قوله تعالى: له الحمد اعتراض مؤكد بين المعطوف والمعطوف عليه مطلقا، ومعناه على ما سمعت عن الكشاف أن على المميزين كلهم أن يحمدوه، فإن حمل التسبيح على الصلاة، فهو كلام يؤكد الوجوب لأن الحمد يتجوز به عن الصلاة كالتسبيح، ووجه التأكيد دلالته على [ ص: 29 ] أنه أمر عم المكلفين من أهل السماوات والأرض، وإن حمل على الظاهر فوجهه أن ذلك جار مجرى الاستدراك للأمر بالتسبيح، ولما كان من واد واحد كان كل منهما مؤكدا للآخر، فدل على و وجوب التسبيح على أهل السماوات والأرض، وأما الدلالة على الوجوب فمن اتباع (سبحان الله) إلخ، ذكر الوعد والوعيد بالفاء فإنه يفهم تعين ذلك طريقا للخلاص عن الدركات، والوصول إلى الدرجات، وما يتعين طريقا لذلك كان واجبا كذا في الكشف. دوام وجوب الحمد في الأوقات،
وذكر الإمام أن في هذا الاعتراض لطيفة، وهو أن الله تعالى لما أمر العباد بالتسبيح كأنه قال جل وعلا: بين لهم أن تسبيحهم الله تعالى لنفعهم لا لنفع يعود إلى الله عز وجل، فعليهم أن يحمدوا الله تعالى إذا سبحوه جل شأنه، وهذا كما في قوله تعالى: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان [الحجرات: 17].
وجوز بعضهم كون ( عشيا ) معطوفا على قوله تعالى: ( في السماوات ) ورد بأنه لا يعطف ظرف الزمان على المكان ولا عكسه، وقيل: يحتمل أن يكون معطوفا على مقدر، أي وله الحمد في السماوات والأرض دائما وعشيا، على أنه تخصيص بعد تعميم، والجملة اعتراضية أو حالية، وهو كما ترى، وتخصيص الأوقات المذكورة بالذكر لظهور آثار القدرة والعظمة والرحمة فيها، وقدم الإمساء على الإصباح لتقدم الليل والظلمة، وقدم العشي على الإظهار لأنه بالنسبة إلى الإظهار كالإمساء بالنسبة إلى الإصباح. وفي البحر: قوبل بالعشي الإمساء، وبالإظهار الإصباح، لأن كلا منهما يعقب بما قابله، فالعشي يعقبه الإمساء، والإصباح يعقبه الإظهار، وقال العلامة أبو السعود: إن تقديم ( عشيا ) على ( حين تظهرون ) لمراعاة الفواصل، وليس بذاك، وذكر الإمام أنه قدم الإمساء على الإصباح ها هنا، وأخر في قوله تعالى: وسبحوه بكرة وأصيلا [الأحزاب: 42]، لأن أول الكلام ها هنا ذكر الحشر والإعادة، وكذا آخره، والإمساء آخر، فذكر الآخر أولا لتذكر الآخرة، وتغيير الأسلوب في ( عشيا ) لما أنه لا يجيء منه الفعل بمعنى الدخول في العشي كالمساء والصباح والظهيرة، ولعل السر في ذلك على ما قيل: إنه ليس من الأوقات التي تختلف فيها أحوال الناس وتتغير تغيرا ظاهرا مصححا لوصفهم بالخروج عما قبلها، والدخول فيها كالأوقات المذكورة، فإن كلا منها وقت يتغير فيه الأحوال تغيرا ظاهرا، أما في المساء والصباح فظاهر. وأما في الظهيرة فلأنها وقت يعاد فيه التجرد عن الثياب للقيلولة كما مرت إليه الإشارة في سورة النور، هذا وفضل التسبيح والتحميد أظهر من أن يستدل عليه، وذكروا في فضل ما تضمنته الآية عدة أخبار.
فأخرج الإمام أحمد، ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وابن السني في عمل اليوم والليلة، ، والطبراني وابن مردويه، في الدعوات عن والبيهقي معاذ بن أنس ، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: إبراهيم خليله الذي وفى، لأنه يقول كلما أصبح وأمسى: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض، وعشيا، وحين تظهرون». «ألا أخبركم لم سمى الله تعالى
وأخرج ، أبو داود ، والطبراني وابن السني، عن وابن مردويه، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ابن عباس، «من قال حين يصبح سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله تعالى: ( وكذلك تخرجون )، أدرك ما فاته في يومه، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته من ليلته»
إلى غير ذلك من الأخبار، ولعل فيه تأييدا لكون ( فسبحان ) إلخ، مقولا على ألسنة العباد، فتأمل. وقرأ «حين تمسون وحينا تصبحون» بتنوين حين، فالجملة صفة حذف منها العائد، والتقدير تمسون فيه، وتصبحون فيه، وعلى قراءة الجمهور: الجملة مضاف إليها [ ص: 30 ] ولا تقدير للضمير أصلا. عكرمة