ومن آياته الدالة على البعث أيضا أن خلق لكم أي لأجلكم من أنفسكم أزواجا فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم عليه السلام متضمن لخلقهن من أنفسكم على ما عرفت من التحقيق – فمن - تبعيضية، والأنفس بمعناها الحقيقي، ويجوز أن تكون ( من ) ابتدائية، والأنفس مجاز عن الجنس، أي خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر، قيل: وهو الأوفق بقوله تعالى: لتسكنوا إليها أي لتميلوا إليها، يقال: سكن إليه إذا مال، فإن المجانسة من دواعي النظام والتعارف، كما أن [ ص: 31 ] المخالفة من أسباب التفرق والتنافر وجعل بينكم أي بين الأزواج إما على تغليب الرجال على النساء في الخطاب، أو على حذف ظرف معطوف على الظرف المذكور، أي جعل بينكم وبينهن كما في قوله تعالى: لا نفرق بين أحد من رسله [البقرة: 285]، وقيل: بين أفراد الجنس، أو بين الرجال والنساء، وتعقب بأنه يأباه قوله تعالى: مودة ورحمة فإن المراد بهما ما كان منهما بعصمة الزواج قطعا، أي جعل بينكم بالزواج الذي شرعه لكم توادا وترحما من غير أن يكون بينكم سابقة معرفة، ولا مرابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم. قيل: المودة والرحمة من الله تعالى، والفرك وهو بغض أحد الزوجين الآخر من الشيطان.
وقال ، الحسن ، ومجاهد المودة كناية عن النكاح، والرحمة كناية عن الولد، وكون المودة بمعنى المحبة كناية عن النكاح أي الجماع للزومها له ظاهر، وأما كون الرحمة كناية عن الولد للزومها له، فلا يخلو عن بعد، وقيل: مودة للشابة، ورحمة للعجوز، وقيل: مودة للكبير ورحمة للصغير، وقيل: هما اشتباك الرحم، والكل كما ترى، وعكرمة: إن في ذلك أي فيما ذكر من خلقهم من تراب، وخلق أزواجهم من أنفسهم، وإلقاء المودة والرحمة، فهو إشارة إلى جميع ما تقدم، وقيل: إلى ما قبله، وليس بذاك، وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإشعار ببعد منزلته لآيات عظيمة لا يكتنه كنهها كثيرة لا يقادر قدرها، لقوم يتفكرون في تضاعيف تلك الأفاعيل المبنية على الحكم، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله مع التنبيه على أن ما ذكر ليس بآية فذة، بل هي مشتملة على آيات شتى، وإنها تحتاج إلى تفكر كما تؤذن بذلك الفاصلة. وذكرالطيبي أنه لما كان القصد من خلق الأزواج والسكون إليها وإلقاء المحبة بين الزوجين ليس مجرد قضاء الشهوة التي يشترك بها البهائم، بل تكثير النسل وبقاء نوع المتفكرين الذين يؤديهم الفكر إلى المعرفة والعبادة التي ما خلقت السماوات والأرض إلا لها، ناسب كون المتفكرين فاصلة هنا .