وإذا أذقنا الناس رحمة أي نعمة من صحة وسعة ونحوهما فرحوا بها بطرا وأشرا، فإنه الفرح المذموم دون الفرح حمدا وشكرا، وهو المراد في قوله تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا وقال الإمام: المذموم الفرح بنفس الرحمة، والممدوح من حيث إنها مضافة إلى الله تعالى، الفرح برحمة الله تعالى وإن تصبهم سيئة شدة بما قدمت أيديهم بشؤم معاصيهم إذا هم يقنطون أي فاجؤوا والتعبير بإذا أولا لتحقق الرحمة وكثرتها دون المقابل، وفي نسبة الرحمة إليه تعالى دون السيئة تعليم للعباد أن لا يضاف إليه سبحانه الشر، وهو كثير كقوله تعالى: القنوط من رحمته عز وجل، أنعمت، و المغضوب ) في [الفاتحة: 7]، وعدم بيان سبب إذاقة الرحمة وبيان سبب إصابة السيئة إشارة إلى أن الأول تفضل والثاني عدل، والتعبير بالمضارع في إذا هم يقنطون لرعاية الفاصلة والدلالة على الاستمرار في القنوط، والمراد بالناس إما فريق آخر غير الأول على أن التعريف للعهد أو للجنس، وإما الفريق الأول، لكن الحكم الأول ثابت لهم في حال تدهشهم كمشاهدة الغرق، وهذا الحكم في حال آخر لهم، فلا مخالفة بين قوله تعالى: وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه وقوله سبحانه: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون فلا يحتاج إلى تكلف التوفيق بأن الدعاء اللساني جار على العادة، فلا ينافي القنوط القلبي، ولذا سمع بعض الخائضين في دم رضي الله تعالى عنه يدعو في طوافه، ويقول: اللهم اغفر لي ولا أظنك تفعل، أو المراد يفعلون فعل القانطين كالاهتمام بجمع الذخائر أيام الغلاء، ولا يخفى أن في المفاجأة نبوة ما عن هذا فتأمل. عثمان
وقرئ «يقنطون» بكسر النون.