فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يصير الجود حيث يصير
وبيانه فيما نحن فيه أن قوله تعالى: ( ليجزي الذين آمنوا ) يدل بمنطوقه على ما قرر على اختصاصهم بالجزاء التكريمي، وبمفهومه على أنهم أهل الولاية والزلفى، وقوله سبحانه: إنه لا يحب الكافرين لتعليل الاختصاص يدل بمنطوقه على أن عدم المحبة يقتضي حرمانهم، وبمفهومه على أن الجزاء لأضدادهم موفر، فهو جل وعلا محب للمؤمنين، وذكر العلامة الطيبي : الظاهر أن قوله تعالى: فأقم وجهك للدين القيم الآية بتمامها، كالمورد للسؤال، والخطاب لكل أحد من المكلفين، وقوله تعالى: من كفر فعليه كفره الآية، وارد على الاستئناف منطو على [ ص: 51 ] الجواب، فكأنه لما قيل: أقيموا على الدين القيم قبل مجيء يوم يتفرقون فيه، فقيل: ما للمقيمين على الدين، وما على المنحرفين عنه، وكيف يتفرقون؟ فأجيب من كفر فعليه كفره، الآية، وأما قوله سبحانه: ( ليجزي الذين آمنوا ) الآية، فينبغي أن يكون تعليلا للكل ليفصل ما يترتب على ما لهم وعليهم، لكن يتعلق بيمهدون وحده لشدة العناية بشأن الإيمان والعمل الصالح، وعدم الإعباء بعمل الكافر، ولذلك وضع موضعه إنه لا يحب الكافرين انتهى، فلا تغفل، وفي الآية لطيفة نبه عليها الإمام قدس سره، وهي أن الله عز وجل عند ما أسند الكفر والإيمان إلى العبيد قدم الكافر، وعند ما أسند الجزاء إلى نفسه قدم المؤمن، لأن قوله تعالى: ( من كفر ) وعيد للمكلف ليمتنع عما يضره لينقذه سبحانه من الشر، وقوله تعالى: ومن عمل صالحا تحريض له، وترغيب في الخير ليوصله إلى الثواب، والإنقاذ مقدم عند الحكيم الرحيم، وأما عند الجزاء فابتدأ جل شأنه بالإحسان إظهارا للكرم والرحمة.
هذا، ولما ذكر سبحانه ظهور الفساد والهلاك بسبب المعاصي ذكر ظهور الصلاح، ولم يذكر عز وجل أنه بسبب العمل الصالح، لأن الكريم يذكر لعقابه سببا لئلا يتوهم منه الظلم، ولا يذكر لإحسانه، فقال عز من قائل: