ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم اعتراض لتسليته صلى الله عليه وسلم بمن قبله على وجه يتضمن الوعد له عليه الصلاة والسلام، والوعيد لمن عصاه، وفي ذلك أيضا تحذير عن الإخلال بمواجب الشكر.
والمراد بقومهم أقوامهم، والإفراد للاختصار، حيث لا لبس، والمعنى: ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى أقوامهم، كما أرسلناك إلى قومك، فجاءوهم بالبينات أي جاء كل قوم رسولهم بما يخصه من البينات، كما جئت قومك ببيناتك، فانتقمنا من الذين أجرموا الفاء فصيحة أي فآمن بعض وكذب بعض فانتقمنا، وقيل: أي فكذبوهم فانتقمنا منهم، ووضع الموصول موضع ضميرهم للإشعار بالعلة والتنبيه على مكان المحذوف، وجوز أن تكون تفصيلا للعموم بأن فيهم مجرما مقهورا، ومؤمنا منصورا، وكان حقا علينا نصر المؤمنين فيه مزيد تشريف وتكرمة للمؤمنين حيث جعلوا مستحقين على الله تعالى أن ينصرهم، وإشعار بأن الانتقام لأجلهم، والمراد بهم ما يشمل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وجوز تخصيص ذلك بالرسل بجعل التعريف عهديا، وظاهر الآية أن هذا النصر في الدنيا، وفي بعض الآثار ما يشعر بعدم اختصاصه بها، وأنه عام لجميع المؤمنين، فيشمل من بعد الرسل من الأمة.
أخرج ابن أبي حاتم، ، والطبراني عن وابن مردويه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبي الدرداء وكان حقا علينا نصر المؤمنين «ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله تعالى أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة، ثم تلا عليه الصلاة والسلام:
وفي هذا إشعار بأن ( حقا ) خبر كان، ( ونصر المؤمنين ) الاسم كما هو الظاهر، وإنما أخر الاسم لكون ما تعلق به فاصلة، وللاهتمام بالخبر، إذ هو محط الفائدة على ما في البحر.
قال : ووقف بعض القراء على ( حقا ) على أن اسم كان ضمير الانتقام أي: وكان الانتقام حقا وعدلا لا ظلما، ورجوعه إليه على حد ابن عطية اعدلوا هو أقرب للتقوى [المائدة: 8]، و( علينا نصر المؤمنين ) جملة مستأنفة، وهو خلاف الظاهر المؤيد بالخبر، وإن لم يكن فيه محذور من حيث المعنى.