ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل أي وبالله تعالى لقد وصفنا للناس من كل صفة كأنها مثل في غرابتها، وقصصنا عليهم كل صفة عجيبة الشأن، كصفة المبعوثين يوم القيامة، وما يقولون وما يقال لهم، وما لا ينفع من اعتذارهم، ولا يسمع من استعتابهم، فضرب المثل اتخاذه وصنعه من ضرب الخاتم واللبن.
والمثل مجاز عن الصفة الغريبة، والمراد بهذا القرآن إما هذه السورة الجليلة الشأن أو المجموع، وهو الظاهر، ( ومن ) تبعيضية، وجوزت الزيادة وقيل: المعنى وبالله تعالى لقد بينا للناس من كل مثل ينبؤهم عن التوحيد والبعث، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، فضرب بمعنى بين والمثل على أصله، وقيل: بمعنى الدليل العجيب، والقرآن بمعنى المجموع، ولئن جئتهم بآية أي مع ضربنا لهم من كل مثل في هذا القرآن الجليل الشأن، لئن جئتهم بآية من آياته ليقولن الذين كفروا لفرط عتوهم، وعنادهم، وقساوة قلوبهم مخاطبين لك وللمؤمنين، إن أنتم إلا مبطلون أي مزورون، وجوز حمل الآية على المعجزة، أي لئن جئتهم بمعجزة من المعجزات التي اقترحوها ليقولن الذين كفروا إلخ، والإتيان بالموصول دون الضمير لبيان السبب الحامل على القول المذكور، وإذا أريد بالناس ما يعم الكفرة وغيرهم، فوجه الإظهار ظاهر، وتوحيد الخطاب في ( جئتهم ) على ما يقتضيه الظاهر، وأما جمعه في قولهم: ( إن أنتم )، فلئلا يبقى بزعمهم له عليه الصلاة [ ص: 62 ] والسلام شاهد من المؤمنين حيث جعلوا الكل مدعين، وقال الإمام: في توحيد الخطاب في ( جئتهم ) وجمعه في ( أنتم ) لطيفة، وهي أن الله تعالى قال: إن جئتهم بكل آية جاءت بها الرسل عليهم السلام، ويمكن أن يجاء بها يقولوا: أنتم كلكم أيها المدعون للرسالة مبطلون انتهى، ولا يخفى أن ما ذكرناه أحسن وألطف .