وقالوا: إنما حرم اللهو لكونه لهوا، فمن لا يكون لهوا بالنسبة إليه لا يحرم عليه، إذ علة الحرمة في حقه منتفية، والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، ويلزمهم القول بحل شرب المسكر لمن لا يسكره، لا سيما لمن يزيده نشاطا للعبادة مع ذلك، ومن زنادقة القلندرية من يقول بحل الخمر والحشيشة ونحوها من المسكرات المحرمة بلا خلاف، زاعمين أن استعمال ذلك يفتح عليهم أبواب الكشوف، وبعض الجهلة الذين لعب بهم الشيطان يطلبون منهم المدد في ذلك الحال، قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون، ولقد آتينا لقمان الحكمة قيل: هي إدراك خطاب الحق بوصف الإلهام، وذكروا أن الحكمة موهبة الأولياء كما أن الوحي موهبة الأنبياء عليهم السلام، فكل ليس بكسبي إلا أن للكسب مدخلا ما في الحكمة.
فقد ورد: «من أخلص لله تعالى أربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه»
والحكمة التي يزعم الفلاسفة أنها حكمة ليست بحكمة، إذ هي من نتائج الفكر، ويؤتاها المؤمن والكافر، وقلما تسلم من شوائب آفات الوهم، ولهذا وقع الاختلاف العظيم بين أهلها، وعدها بعض الصوفية من لهو الحديث، ولم يبعد في ذلك عن الصواب، وأشارت قصة لقمان إلى التوحيد، ومقام جمع الجمع، وعين الجمع، واتباع سبيل الكاملين، والإعراض عن السوى، وتكميل الغير، والصبر على الشدائد، والتواضع للناس، وحسن المماشاة، والمعاملة والسيرة، وترك التماوت في المشي، وترك رفع الصوت، وقيل: ( الحمير ) في قوله تعالى: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير هم الصوفية الذين يتكلمون بلسان المعرفة قبل أن يؤذن لهم، وطبق بعضهم جميع ما في القصة على ما في الأنفس، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة )، قال : النعم الظاهرة حسن الأخلاق والنعم الباطنة أنواع المعارف، وقيل: على قراءة النعمة الظاهرة اتباع ظاهر العلم، والباطنة طلب الحقيقة في الاتباع، وقيل: النعمة الظاهرة بلا زلة، والباطنة قلب بلا غفلة. الجنيد
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير يشير إلى أهل الجدل من الفلاسفة فإنهم يجادلون في ذات الله تعالى، وصفاته عز وجل كذلك عند التحقيق، لأنهم لا يعتبرون كلام الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولا الكتب المنزلة من السماء، وأكثر علومهم مشوب بآفة الوهم، ومع هذا فشؤون الله جل وعلا طور ما وراء طور العقل:
هيهات أن تصطاد عنقاء البقا بلعابهن عناكب الأفكار
وأبعد من محدب الفلك التاسع حصول علم بالله عز وجل وبصفاته جل شأنه يعتد به، بدون نور إلهي يستضيء العقل به، وعقولهم في ظلمات بعضها فوق بعض، وقد سدت أبواب الوصول إلا على متبع للرسول صلى الله عليه وسلم، قال بعضهم مخاطبا لحضرة صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام:
وأنت باب الله أي امرئ أتاه من غيرك لا يدخل
[ ص: 115 ] ذلك بأن الله هو الحق إلى قوله سبحانه: وأن الله هو العلي الكبير فيه إشارة إلى أنه سبحانه تمام، وفوق التمام، والمراد بالأول من حصل له كل ما جاز له، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ( هو الحق )، والمراد بالثاني من حصل له ذلك، وحصل لما عداه ما جاز له، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ( هو العلي الكبير )، ووراء هذين الشيئين ناقص، وهو ما ليس له ما ينبغي، كالصبي، والمريض، والأعمى، ومكتف، وهو من أعطى ما تندفع به حاجته في وقته، كالإنسان الذي له من الآلات ما تندفع به حاجته في وقته، ولكنها في معرض التحلل، والزوال.
إن الله عنده علم الساعة الآية، ذكر غير واحد حكايات عن الأولياء متضمنة لإطلاع الله تعالى إياهم على ما عدا علم الساعة من الخمس، وقد علمت الكلام في ذلك، وأغرب ما رأيت ما ذكره عن بعضهم أنه كان يبيع المطر فيمطر على أرض من يشتري منه متى شاء، ومن له عقل مستقيم لا يقبل مثل هذه الحكاية، وكم للقصاص أمثالها من رواية، نسأل الله تعالى أن يحفظنا، وإياكم من اعتقاد خرافات لا أصل لها، وهو سبحانه ولي العصمة والتوفيق. الشعراني