إذ قالت امرأت عمران تقرير للاصطفاء وبيان لكيفيته، والظرف في حيز النصب على المفعولية بفعل محذوف أي اذكر لهم وقت قولها، وقيل: هو منصوب على الظرفية لما قبله، وهو سميع عليم على سبيل التنازل أو السميع ولا يضر الفصل بينهما بالأجنبي لتوسعهم في الظروف، وقيل: هو ظرف لمعنى الاصطفاء المدلول عليه ب (اصطفى) المذكور كأنه قيل: واصطفى آل عمران، إذ قالت الخ، فكان من عطف الجمل على الجمل لا المفردات على المفردات ليلزم كون اصطفاء الكل في ذلك الوقت.
وامرأة عمران هي حنة بنت فاقوذا كما رواه إسحق بن بشر عن رضي الله تعالى عنه، ابن عباس عن والحاكم وهي جدة أبي هريرة عيسى عليه الصلاة والسلام وكان لها أخت اسمها إيشاع تزوجها زكريا عليه الصلاة والسلام هي أم يحيى، فعيسى ابن بنت خالة يحيى كما ذكر ذلك غير واحد من الإخباريين، ويشكل عليه ما أخرجه الشيخان في حديث المعراج من قوله صلى الله عليه وسلم: عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا "، وأجاب صاحب «التقريب» بأن الحديث مخرج على المجاز فإنه كثيرا ما يطلق الرجل اسم الخالة على بنت خالته لكرامتها عليه، والغرض أن بينهما عليهما الصلاة والسلام هذه الجهة من القرابة وهي جهة الخؤولة، وقيل: كانت " فإذا أنا بابني الخالة إيشاع أخت حنة من الأم وأخت مريم من الأب على أن عمران نكح أولا أم حنة فولدت له إيشاع ثم نكح حنة بناء على حل نكاح الربائب في شريعتهم فولدت مريم فكانت إيشاع أخت مريم من الأب وخالتها من الأم لأنها أخت حنة من الأم، وفيه أنه مخالف لما ذكره محيي السنة من أن إيشاع وحنة بنتا فاقوذا على أنه بعيد لعدم الرواية في الأمرين.
أخرج عن ابن عساكر رضي الله تعالى عنهما أن ابن عباس حنة امرأة عمران كانت حبست عن الولد والمحيض فبينا هي ذات يوم في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخا له فتحركت نفسها للولد فدعت الله تعالى أن يهب لها ذكرا فحاضت من ساعتها فلما طهرت أتاها زوجها فلما أيقنت بالولد، قالت: لئن نجاني الله تعالى ووضعت ما في بطني لأجعلنه محررا ولم يكن يحرر في ذلك الزمان إلا الغلمان، فقال لها زوجها: أرأيت إن كان ما في بطنك أنثى والأنثى عورة فكيف تصنعين؟ فاغتمت لذلك فقالت عند ذلك: رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني وهذا في الحقيقة استدعاء للولد الذكر لعدم قبول الأنثى فيكون المعنى: رب إني نذرت لك ما في بطني فاجعله ذكرا على حد أعتق عبدك عني.
وجعله بعض الأئمة تأكيدا لنذرها وإخراجا له عن صورة التعليق إلى هيئة التنجيز، واللام من (لك) للتعليل، والمراد لخدمة بيتك والمحرر من لا يعمل للدنيا ولا يتزوج ويتفرغ لعمل الآخرة ويعبد الله تعالى ويكون في خدمة الكنيسة، قاله [ ص: 134 ] رضي الله تعالى عنهما، وقال ابن عباس المحرر الخادم للبيعة، وفي رواية عنه الخالص الذي لا يخالطه شيء من أمر الدنيا، وقال مجاهد: محمد بن جعفر بن الزبير: أرادت عتيقا خالصا لطاعتك لا أصرفه في حوائجي، وعلى كل هو من الحرية وهي ضربان أن لا يجري عليه حكم السبي وأن لا تتملكه الأخلاق الرديئة والرذائل الدنيوية.
وانتصابه على الحالية من (ما)، والعامل فيه نذرت ; وقيل: من الضمير الذي في الجار والمجرور، والعامل فيه حينئذ الاستقرار ولا يخفى رجحان الوجه الأول، والحال إما مقدرة أو مصاحبة، وجوز أن ينصب على المصدر أي تحريرا لأنه بمعنى النذر، وتأكيد الجملة للإيذان بوفور الرغبة في مضمونها، وتقديم الجار والمجرور لكمال الاعتناء به، والتعبير عن الولد بما لإبهام أمره وقصوره عن درجة العقلاء، والتقبل أخذ الشيء على وجه الرضا وأصله المقابلة بالجزاء وتقبل هنا بمعنى اقبل. أبو حيان
إنك أنت السميع لسائر المسموعات فتسمع دعائي العليم [ 35 ] بما كان ويكون فتعلم نيتي وهو تعليل لاستدعاء القبول من حيث إن علمه تعالى بصحة نيتها وإخلاصها مستدع لذلك تفضلا وإحسانا، وتأكيد الجملة لغرض قوة يقينها بمضمونها وقصر صفتي السمع والعلم عليه تعالى لغرض اختصاص دعائها وانقطاع حبل رجائها عما عداه سبحانه بالكلية مبالغة في الضراعة والابتهال قاله شيخ الإسلام ، وتقديم صفة السمع لأن متعلقاتها وإن كانت غير متناهية إلا أنها ليست كمتعلقات صفة العلم في الكثرة.