إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم
وجوز أن يكون كل ما ذكر منشأ لظنه في سبأ، والكلام على الوجه الأول في الضمير على ما قال الطيبي تتمة لسابقه إما حلالا أو عطفا، وعلى الثاني هو كالتذييل تأكيدا له.
وقرأ البصريون «صدق» بالتخفيف فنصب «ظنه» على إسقاط حرف الجر، والأصل صدق في ظنه أي وجد ظنه مصيبا في الواقع فصدق حينئذ بمعنى أصاب مجازا، وقيل هو منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر أي يظن ظنه كفعلته جهدك أي تجهد جهدك، والجملة في موقع الحال و «صدق» مفسر بما مر، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به والفعل متعد إليه بنفسه لأن الصدق أصله في الأقوال، والقول مما يتعدى إلى المفعول به بنفسه، والمعنى حقق ظنه كما في الحديث: وقوله تعالى: «صدق وعده ونصر عبده» رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [الأحزاب: 23] .
وقرأ زيد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم والزهري وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء العرب وبلال بن أبي برزة بنصب «إبليس» ورفع «ظنه» كذا في البحر والظان ذلك مع قراءة «صدق» بالتشديد أي وجده ظنه صادقا لكن ذكر أن ابن جني كان يقرأ ذلك مع تخفيف «صدق» أي قال له الصدق حين خيل له إغواؤهم. الزهري
وقرأ عبد الوارث عن «إبليس»، «ظنه» برفعهما بجعل الثاني بدل اشتمال، وأبهم أبي عمرو القارئ بذلك فقال قرئ بالتخفيف ورفعهما على معنى صدق عليهم ظن إبليس ولو قرئ بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في «صدق» كقوله: الزمخشري
فدت نفسي وما ملكت يميني فوارس صدقت فيهم ظنوني
وهو ظاهر في أنه لم يقرأ أحد بذلك والله تعالى أعلم، وعلى جميع القراءات عليهم متعلق بالفعل السابق وليس متعلقا بالظن على شيء منها.
فاتبعوه أي سبأ وقيل بنو آدم إلا فريقا من المؤمنين أي إلا فريقا هم المؤمنون لم يتبعوه على أن من بيانية، وتقليلهم إما لقلتهم في حد ذاتهم أو لقلتهم بالإضافة إلى الكفار، وهذا متعين على القول برجوع الضمير إلى بني آدم ، وكأني بك تختار كون القلة في حد ذاتهم على القول برجوع الضمير إلى سبأ لعدم شيوع كثرة المؤمنين في حد ذاتهم منهم أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه وهم المخلصون فمن تبعيضية، والمراد مطلق الاتباع الذي هو أعم من الكفر.