ورجح تقدير الجمهور بأنه أبعد عن لزوم الإجحاف، والأمر للتوبيخ والتعجيز أي ادعوهم فيما يهمكم من دفع ضر أو جلب نفع، لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم، روي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشا.
وقوله تعالى: لا يملكون مثقال ذرة كلام مستأنف في موقع الجواب ولم يمهلهم ليجيبوا إشعارا بتعينه فإنه لا يقبل المكابرة، وجوز تقدير ثم أجب عنهم قائلا لا يملكون الخ، وهو متضمن بيان حال الآلهة في الواقع [ ص: 136 ] وأنهم إذا لم يملكوا مقدار ذرة أي من خير وشر ونفع وضر كيف يكونون آلهة تعبد.
في السماوات ولا في الأرض أي في أمر من الأمور، وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفا، فيراد بهما جميع الموجودات، وهذا كما يقال المهاجرون والأنصار ويراد جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلا يتوهم أنهم يملكون في غيرهما، ويجوز أن يقال: إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام، فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماوي، والأرضي على أمر أرضي، ويعلم نفي قدرته على غيره بالطريق الأولى، أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية، فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة، فكيف بغيرها.
وما لهم أي لآلهتهم فيهما من شرك أي شركة ما لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا وما له أي لله عز وجل منهم أي من آلهتهم من ظهير أي معين يعينه سبحانه في تدبير أمرهما ولا تنفع الشفاعة عنده أي لا توجد رأسا كما في قوله:
على لاحب لا يهتدي بمناره
لقوله تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وإنما علق النفي بنفعها دون وقوعها تصريحا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها.
وقوله تعالى: إلا لمن أذن له استثناء مفرغ من أعم الأحوال على ما اختاره ، و (من) عبارة عن الشافع واللام الداخلة عليه للاختصاص مثلها في الكرم الزمخشري لزيد ولام (له) صلة (أذن)، والمراد نفي شفاعة آلهتهم لهم لكن ذكر ذلك على وجه عام ليكون طريقا برهانيا أي لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال أو كائنة لمن كانت إلا كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة، ومن البين أنهم لا يؤذن لهم في الشفاعة للكفار فقد قال الله تعالى: لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبأ: 38] والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب وعدم الإذن للأصنام أبين وأبين فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية، أو (من) عبارة عن المشفوع له، واللام الداخلة عليه للتعليل ولام (له) صلة (أذن) أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمشفوع أذن له أي لشفيعه على الإضمار لأن المشفوع لم يصدر عنه فعل حتى يؤذن له فيه أن يشفعه، واختار أن لام (له) للتعليل أي إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله، ووجهه على ما في الكشف حصول الإشارة إلى الشافع والمشفوع لأن المأذون لأجله المشفوع والمأذون الشافع ولأن الغرض بيان محل النفع وهو المشفوع كان التصريح بذكره أهم، ولا يخفى أن الوجه السابق ظاهر التكلف فيه الإضمار الذي لا يقتضيه المقام، وحاصل المعنى على هذا لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها إلا كائنة لمن وقع الإذن للشفيع لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلا وإن فرض وقوعها من الشفعاء إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم، ويثبت من هذا حرمان هؤلاء الكفرة من شفاعة الشفعاء المستأهلين للشفاعة بعبارة النص وعن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حين حرموها من جهة القادرين عليها في الجملة فلأن يحرموها من جهة العجزة عنها بالكلية أولى، وذهب الزمخشري إلى أن الاستثناء من أعم الذوات أي لا تنفع الشفاعة لأحد إلا لمن الخ، واستظهر احتمال أن تكون من عبارة عن المشفوع له واللام نظرا إلى الظاهر متعلقة بالشفاعة، وجوز أبو حيان تعلقها ب تنفع. وتعقبه بأنه لا يتعدى إلا بنفسه وقال أبو البقاء فيه: إن المفعول متأخر فدخول اللام قليل. أبو حيان
وقرأ أبو عمرو وحمزة ( أذن ) مبنيا للمفعول، فله قائم مقام [ ص: 137 ] فاعله. والكسائي
حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق صيغة التفعيل للسلب كما في قردت البعير إذا أزالت قراده، ومنه التمريض، فالتفزيع إزالة الفزع، وهو على ما قال انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، و ( حتى ) للغاية واختلفوا في المغيا إذ لم يكن قبلها ما يصلح أن يكون مغيا بحسب الظاهر، واختلفوا لذلك في المراد بالآية اختلافا كثيرا، فقيل: هو ما يفهم من حديث الشفاعة ويشير إليه، وذلك أن قوله تعالى: الراغب