وقرأ ابن السميفع وعيسى بن عمر «كلا » بالنصب ، وأخرجه ابن عطية على أنه توكيد لاسم إن ، وكون كل المقطوع عن الإضافة يقع تأكيدا اكتفاء بأن المعنى عليها مذهب والزمخشري ونقله الفراء عن الكوفيين ورده أبو حيان ابن مالك في شرحه للتسهيل ، وقيل : هو حال من المستكن في الظرف . وتعقب بأنه في معنى المضاف ولذا جاز الابتداء به فكيف يكون حالا ، وإذا سلم كفاية هذا المقدار من التنكير في الحالية فالظرف لا يعمل في الحال المتقدمة كما يعمل في الظرف المتقدم نحو كل يوم لك ثوب .
وأجيب عن أمر العمل بأن أجاز عمل الظرف في الحال إذا توسطت بينه وبين المبتدأ نحو زيد قائما في الدار عندك وما في الآية الكريمة كذلك ، على أن بعضهم أجاز ذلك ولو تقدمت الحال على المبتدأ والظرف نعم منعه بعضهم مطلقا لكن المخرج لم يقلده ، الأخفش وابن الحاجب جوزه في بعض كتبه ومنعه في بعض ، قيل : وقد يوفق بينهما بأن المنع على تقدير عمل الظرف لنيابته عن متعلقه ، والجواز على جعل العامل متعلقه المقدر فيكون لفظيا لا معنويا ، وإلى هذا التخريج ذهب ابن مالك وأنشد له قول بعض الطائيين :
دعا فأجبنا وهو بادي ذلة لديكم فكان النصر غير قريب
وحمل قوله تعالى : والسماوات مطويات بيمينه [الزمر : 67] في قراءة النصب على ذلك ، وقال : أبو حيان
الذي أختاره في تخريج هذه القراءة أن كلا بدل من اسم إن لأن كلا يتصرف فيها بالابتداء ونواسخه وغير ذلك فكأنه قيل : إن كلا فيها . وإذا كانوا قد تأولوا حولا أكتعا ويوما أجمعا على البدل مع أنهما لا يليان العوامل فأن يدعى في كل البدل أولى ، وأيضا فتنكير ( كل ) ونصبه حالا في غاية الشذوذ نحو مررت بهم كلا أي جميعا . ثم قال : فإن قلت :
كيف تجعله بدلا وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم وهو لا يجوز على مذهب جمهور النحويين ؟ قلت : مذهب . والكوفيين جوازه وهو الصحيح ، على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف بل إذا كان البدل يفيد الإحاطة جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب لا نعلم خلافا في ذلك كقوله تعالى : الأخفش تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا [المائدة : 114] وكقولك : مررت بكم صغيركم وكبيركم معناه مررت بكم كلكم وتكون لنا عيدا كلنا ، فإذا جاز ذلك فيما هو بمعنى الإحاطة فجوازه فيما دل على الإحاطة وهو ( كل ) أولى ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه لأنه بدل من ضمير المتكلم لأنه لم يحقق مناط الخلاف . انتهى . ولعل القول بالتوكيد أحسن من هذا وأقرب ، ورد ابن مالك له لا يعول عليه إن الله قد حكم بين العباد فأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، وقدر لكل منا ومنكم عذابا لا يدفع عنه ولا يتحمله عنه غيره