ولقد أرسلنا رسلا ذوي خطر وكثرة من قبلك من قبل إرسالك . منهم من قصصنا أوردنا أخبارهم وآثارهم عليك كنوح وإبراهيم وموسى عليهم السلام .
ومنهم من لم نقصص عليك وهم أكثر الرسل عليهم الصلاة والسلام ، أخرج عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه قال : أبي ذر والظاهر أن المراد بالرسول في الآية ما هو أخص من النبي ، وربما يوهم صنيع «قلت يا رسول الله كم عدة الأنبياء ؟ قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا » القاضي أن المراد به ما هو مساو للنبي .
وأيا ما كان لا دلالة في الآية على عدم علمه صلى الله تعالى عليه وسلم بعدد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام كما توهم بعض الناس ، ورد لذلك خبر وجرى بيننا وبينه من النزاع ما جرى ، وذلك لأن المنفي القص وقد علمت معناه فلا يلزم من نفي ذلك نفي ذكر أسمائهم ، ولو سلم فلا يلزم من نفي ذكر الأسماء نفي ذكر أن عدتهم كذا من غير تعرض لذكر أسمائهم ، على أن النفي بلم وهي على الصحيح تقلب المضارع ماضيا فالمنفي القص في الماضي ولا يلزم من ذلك استمرار النفي فيجوز أن يكون قد قصوا عليه عليه الصلاة والسلام جميعا بعد ذلك ولم ينزل ذلك قرآنا ، وأظهر من ذلك في الدلالة على عدم استمرار النفي قوله تعالى : الإمام أحمد ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك [النساء : 164] لتبادر الذهن فيه إلى أن المراد لم نقصصهم عليك من قبل لمكان قصصناهم عليك من قبل وبالجملة الاستدلال بالآية على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يعلم عدة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ولا علمها بعد جهل عظيم بل خذلان جسيم نعوذ بالله تعالى من ذلك ، وأخرج في الأوسط الطبراني عن وابن مردويه كرم الله تعالى وجهه في قوله تعالى : علي ومنهم من لم نقصص عليك قال : بعث الله تعالى عبدا حبشيا نبيا فهو ممن لم يقصص على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، وعن بلفظ «إن الله تعالى بعث نبيا أسود في الحبش فهو ممن لم يقصص عليه عليه الصلاة والسلام » والمراد بذلك على نحو ما مر أنه لم تذكر له صلى الله تعالى عليه وسلم قصصه وآثاره ولا أوردت عليه أحواله وأخباره كما كان في شأن ابن عباس موسى وعيسى وغيرهما من المرسلين عليهم الصلاة والسلام ، ولا يمكن أن يقال : المراد أنه لم يذكر له صلى الله تعالى عليه وسلم بعثة شخص موصوف بذلك إذ لا يساعد عليه اللفظ ، وأيضا لو أريد ما ذكر فمن أين علم كرم الله تعالى وجهه أو علي ذلك وهل يقول باب مدينة العلم على علم لم يفض عليك من تلك المدينة حاشاه ثم حاشاه وكذا ابن عمه ابن عباس عبد الله . العباس
واستشكل هذا الخبر بأن فيه رسالة العبد وقد قالوا العبد لا يكون رسولا ، وأجيب بأن العبد فيه ليس بمعنى المملوك وهو الذي لا يكون رسولا لنقصان تصرفه ونفرة النفوس عن اتباعه بل هو أحد العبيد بمعنى السودان عرفا ولو قيل : إن العبد بهذا المعنى لا يكون رسولا أيضا لنفرة النفوس عن اتباعه كنفرتها عن اتباع المملوك قلنا : على تقدير تسليم النفرة إنما هي فيما إذا كان الإرسال لغير السودان وأما إذا كان الإرسال للسودان فليست هناك نفرة أصلا ، وظاهر لفظ أن ذلك الأسود إنما بعث في الحبش والتزام أنه لا يكون رسول من السودان أولاد ابن عباس حام مما لا يساعد عليه الدليل لأنه إن كانت النفرة مانعة من الإرسال فهي لا تتحقق فيما إذا كان الإرسال إلى بني صنفه وإن كان المانع أنه لا يوجد متأهل للإرسال في بني حام لنقصان عقولهم وقلة كمالهم فدعوى ذلك جهل والله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته وكم رأينا في أبناء حام من هو أعقل وأكمل من كثير من أبناء سام ويافث ، وإن كان قد ورد قاطع من نبينا [ ص: 89 ] صلى الله تعالى عليه وسلم أنه لا يكون من أولئك رسول فليذكر وأنى به ثم إن أمر النبوة فيمن ذكر أهون من أمر الرسالة كما لا يخفى ، وكأنه لمجموع ما ذكرنا قال الخفاجي عليه الرحمة : في صحة الخبر نظر وما كان لرسول أي وما صح وما استقام لرسول من أولئك الرسل أن يأتي بآية بمعجزة إلا بإذن الله فالمعجزات على تشعب فنونها عطايا من الله تعالى قسمها بينهم حسبما اقتضته مشيئته المبنية على الحكم البالغة كسائر القسم ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها فإذا جاء أمر الله بالعذاب في الدنيا والآخرة قضي بالحق بإنجاء المحق وإثابته وإهلاك المبطل وتعذيبه وخسر هنالك أي وقت مجيء أمر الله تعالى اسم مكان استعير للزمان المبطلون المتمسكون بالباطل على الإطلاق فيدخل فيهم المعاندون المقترحون دخولا أوليا ومن المفسرين من فسر المبطلين بهم وفسر أمر الله بالقيامة ، ومنهم من فسره بالقتل يوم بدر وما ذكرنا أولى .
وأبعد ما رأينا في الآية أن المعنى فإذا أراد الله تعالى إرسال رسول وبعثة نبي قضى ذلك وأنفذه بالحق وخسر كل مبطل وحصل على فساد آخرته .