كتاب وحكي ذلك عن الزجاج والحوفي ، وهو على الأوجه الأول بدل منه أو خبر آخر أو خبر لمحذوف ، وجملة فصلت آياته على جميع الأوجه في موضع الصفة لكتاب ، وإضافة التنزيل إلى [ ص: 95 ] الرحمن الرحيم من بين أسمائه تعالى للإيذان بأنه مدار للمصالح الدينية والدنيوية واقع بمقتضى الرحمة الربانية حسبما ينبئ عنه قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء : 107] وتفصيل آياته تمييزها لفظا بفواصلها ومقاطعها ومبادئ السور وخواتمها ، ومعنى بكونها وعدا ووعيدا وقصصا وأحكاما إلى غير ذلك بل من أنصف علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم والمباحث المتباينة عبارة وإشارة مثل ما في القرآن . وعن السدي فصلت آياته أي بينت ففصل بين حرامه وحلاله وزجره وأمره ووعده ووعيده ، وقال : فصلت بالوعد والوعيد ، وقال الحسن : بالثواب والعقاب ، وما ذكرنا أولا أعم ولعل ما ذكروه من باب التمثيل لا الحصر ، وقيل : المراد فصلت آياته في التنزيل أي لم تنزل جملة واحدة وليس بذاك . وقرئ « ( فصلت ) » بفتح الفاء والصاد مخففة أي فرقت بين الحق والباطل ، وقال سفيان : بين النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومن خالفه على أن فصل متعد أو فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني على أن فصل لازم بمعنى انفصل كما في قوله تعالى : ابن زيد فصلت العير [يوسف : 94] .
وقرئ «فصلت » بضم الفاء وكسر الصاد مخففة على أنه مبني للمفعول والمعنى على ما مر ( قرآنا عربيا ) نصب على المدح بتقدير أعني أو أمدح أو نحوه أو على الحال فقيل : من ( كتاب ) لتخصصه بالصفة ، وقيل : من ( آياته ) وجوز في هذه الحال أن تكون مؤكدة لنفسها وأن تكون موطئة للحال بعدها ، وقيل : نصب على المصدر أي يقرؤوه قرآنا ، وقال : هو مفعول ثان لفصلت ، وهو كما ترى إن لم تكن أخفش ، وأيا ما كان ففي الأخفش قرآنا عربيا امتنان بسهولة قراءته وفهمه لنزوله بلسان من نزل بين أظهرهم لقوم يعلمون أي معانيه لكونه على لسانهم على أن المفعول محذوف أو لأهل العلم والنظر على أن الفعل منزل منزلة اللازم ولام ( لقوم ) تعليلية أو اختصاصية وخصهم بذلك لأنهم هم المنتفعون به والجار والمجرور إما في موضع صفة أخرى - لقرآنا - أو صلة - لتنزيل - أو - لفصلت - قال : ولا يجوز أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده أي قرآنا عربيا كائنا لقوم عرب لئلا يفرق بين الصلات والصفات ، ولعله أراد لئلا يلزم التفريق بين الصفة وهي
الزمخشري