قل إنما أنا بشر مثلكم لست ملكا ولا جنيا لا يمكنكم التلقي منه . وهو رد لقولهم : بيننا وبينك حجاب يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد أي ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول وإنما أدعوكم إلى التوحيد الذي دلت عليه دلائل العقل وشهدت له شواهد السمع ، وهذا جواب عن قولهم : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر فاستقيموا إليه فاستووا إليه تعالى بالتوحيد وإخلاص العبادة ولا تتمسكوا بعرا الشرك وتقولوا لمن يدعوكم إلى التوحيد : قلوبنا في أكنة.. إلخ . واستغفروه مما سلف منكم من القول والعمل وهذا وجه لا يخلو عن حسن في ربط الأمر بما قبله ، وفي إرشاد العقل السليم أي لست من جنس مغاير لكم حتى يكون بيني وبينكم حجاب وتباين مصحح لتباين الأعمال والأديان كما ينبئ عنه قولكم : فاعمل إننا عاملون بل إنما أنا بشر مثلكم مأمور بما آمركم به حيث أخبرنا جميعا بالتوحيد بخطاب جامع بيني وبينكم ، فإن الخطاب في ( إلهكم ) محكي منتظم للكل لا أنه خطاب منه عليه الصلاة والسلام للكفرة كما في مثلكم وهو مبني على اختيار الوجه الأول في فاعمل إننا عاملون ولا بأس به من هذه الجهة نعم فيه قصور من جهة أخرى ، وقال صاحب الفرائد : ليس هذا جوابا لقولهم إذ لا يقتضي أن يكون له جواب ، وحاصله لا تتركهم وما يدينون لقولهم ذلك المقصود منه أن تتركهم ، سلمنا أنه جواب لكن المراد منه أني بشر فلا أقدر أن أخرج قلوبكم من الأكنة وأرفع الحجاب من البين والوقر من الآذان ولكني أوحي إلي وأمرت بتبليغ أنما إلهكم إله واحد وللإمام كلام قريب مما ذكر في حيز التسليم ، وكلا الكلامين غير واف بجزالة النظم الكريم ، وجعله جوابا من أن المشركين طالما يتمسكون في رد النبوة بأن مدعيها بشر ويجب أن يكون ملكا ولا يجوز أن يكون بشرا ولذا لا يصغون إلى قول الرسول ولا يتفكرون فيه فقوله عليه الصلاة والسلام : الزمخشري من باب القلب عليهم لا القول بالموجب ولا من الأسلوب الحكيم في شيء كما قيل كأنه صلى الله عليه وسلم قال : ما تمسكتم به في رد نبوتي من أني بشر هو الذي يصحح نبوتي إذ لا يحسن في الحكمة أن يرسل إليكم الملك فهذا يوجب قبولكم لا الرد والغلو في الإعراض . إني لست بملك وإنما أنا بشر
وقوله : يوحى إلي أنما إلهكم تمهيد للمقصود من البعثة بعد إثبات النبوة أولا مفصلا بقوله تعالى : حم الآيات ومجملا ثانيا بقوله : يوحى إلي ثم قيل : أنما إلهكم بيانا للمقصود فقوله يوحى إلي مسوق للتمهيد ، وفيه رمز إلى [ ص: 98 ] إثبات النبوة ، وهذا المعنى على القول بأن المراد من فاعمل .. إلخ . فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك ظاهر ، وأما على القول الأول فوجهه أن الدين هو جملة ما يلتزمه المبعوث إليه من طاعة الباعث تعالى بوساطة تبليغ المبعوث فهو مسبب عن نبوته المسببة عن دليلها فأظهروا بذلك أنهم منقادون لما قرر لديهم آباؤهم من منافاة النبوة للبشرية وأنه دينهم فقيل لهم ما قيل ، وهو على هذا الوجه أكثر طباقا وأبلغ ، وهذا حسن دقيق وما ذكر أولا أسرع تبادرا ، وفي الكشف أن قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي في مقابلة إنكارهم الإعجاز والنبوة وقوله : فاستقيموا يقابل عدم القبول وفيه رمز إلى شيء مما سمعت فتأمل ، وقرأ ابن وثاب ( قال إنما ) فعلا ماضيا ، وقرأ والأعمش النخعي «يوحي » بكسر الحاء على أنه مبني للفاعل أي يوحي الله إلي أنما إلهكم إله واحد . والأعمش
وويل للمشركين من شركهم بربهم عز وجل