إن الذين يلحدون في آياتنا ينحرفون في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة فيحملونها على المحامل الباطلة ، وهو مراد بقوله : يضعون الكلام في غير موضعه ، وأصله من ألحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق ويقال لحد . وقرئ «يلحدون » و «يلحدون » باللغتين ، وقال ابن عباس : هنا الإلحاد التكذيب ، وقال قتادة : المكاء والصفير واللغو فالمعنى يميلون عما ينبغي ويليق في شأن آياتنا فيكذبون القرآن أو فيلغون ويصفرون عند قراءته ، وجوز أن يراد بالآيات ما يشمل جميع الكتب المنزلة وبالإلحاد ما يشمل تغيير اللفظ وتبديله لكن ذلك بالنسبة إلى غير القرآن لأنه لم يقع فيه كما وقع في غيره من الكتب على ما هو الشائع . وعن مجاهد أبي مالك تفسير الآيات بالأدلة فالإلحاد في شأنها الطعن في دلالتها والإعراض عنها ، وهذا أوفق بقوله تعالى : [ ص: 127 ] ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة .. إلخ ، وما تقدم أوفق بقوله سبحانه : وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه [فصلت : 26] وبما بعد ، والآية على تفسير أوفق وأوفق . مجاهد
والمراد بقوله تعالى : لا يخفون علينا مجازاتهم على الإلحاد فالآية وعيد لهم وتهديد ، وقوله تعالى : أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة تنبيه على كيفية الجزاء ، وكان الظاهر أن يقابل الإلقاء في النار بدخول الجنة لكنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل اعتناء بشأن المؤمنين لأن الأمن من العذاب أعم وأهم ولذا عبر في الأول بالإلقاء الدال على القسر والقهر وفيه بالإتيان الدال على أنه بالاختيار والرضا مع الأمن ودخول الجنة لا ينفي أن يبدل حالهم من بعد خوفهم أمنا ، وجوز أن تكون الآية من الاحتباك بتقدير من يأتي خائفا ويلقى في النار ومن يأتي آمنا ويدخل الجنة فحذف من الأول مقابل الثاني ومن الثاني مقابل الأول وفيه بعد . والآية كما قال ابن بحر عامة في كل كافر ومؤمن .
وأخرج عن ابن مردويه ابن عباس أفمن يلقى في النار أبو جهل أم من يأتي آمنا رضي الله تعالى عنه ، وأخرج أبو بكر الصديق وغيره عن عبد الرزاق بشير بن تميم من يلقى في النار أبو جهل ومن يأتي آمنا ، والآية نزلت فيهما ، وقال عمار : نزلت في مقاتل أبي جهل وعثمان بن عفان ، وقيل : فيه وفي ، وقيل : فيه وفي عمر ، وقال حمزة : فيه وفي الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم الكلبي اعملوا ما شئتم تهديد شديد للكفرة الملحدين الذين يلقون في النار وليس المقصود حقيقة الأمر إنه بما تعملون بصير فيجازيكم بحسب أعمالكم .