ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين
وقول الكتاب حضرة فلان ومجلسه العالي وكتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز يريدون نفسه وذاته فكأنه قيل: نأى بنفسه ثم كنى بنفسه عن التكبر والخيلاء، وجوز أن يراد بجانبه عطفه ويكون عبارة عن الانحراف والازورار كما قالوا: ثنى عطفه وتولى بركنه والأول مشتمل على كنايتين، وضع الجانب موضع النفس والتعبير عن التكبر البالغ بنحو ذهب بنفسه وهذا على واحدة على ما في الكشف، وجعل بعضهم الجانب والجنب حقيقة كالعطف في الجارحة وأحد شقي البدن مجازا في الجهة فلا تغفل، وعن نأى بجانبه إن نهض به وهو عبارة عن التكبر كشمخ بأنفه، والباء للتعدية ثم إن التعبير عن ذات الشخص بنحو المقام والمجلس كثيرا ما يكون لقصد التعظيم والاحتشام عن الصريح بالاسم وهو يتركون التصريح به عند [ ص: 5 ] إرادة تعظيمه قال أبي عبيدة زهير :
فعرض إذا ما جئت بالبان والحمى وإياك أن تنسى فتذكر زينبا
سيكفيك من ذاك المسمى إشارة فدعه مصونا بالجلال محجبا
ومن هنا قال الطيبي: إن ما هنا وارد على التهكم. وقرئ (ونآ) بإمالة الألف وكسر النون للإتباع (وناء) على القلب كما قالوا راء في رأى وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض أي كثير مستمر مستعار مما له عرض متسع وأصله مما يوصف به الأجسام وهو أقصر الامتدادين وأطولهما هو الطول، ويفهم في العرف من العريض الاتساع وصيغة المبالغة وتنوين التكثير يقويان ذلك، ووصف الدعاء بما ذكر يستلزم عظم الطول أيضا لأنه لا بد أن يكون أزيد من العرض وإلا لم يكن طولا، والاستعارة في كل من الدعاء والعريض جائزة ولا يخفى كيفية إجرائها.
وذكر بعض الأجلة أن الآيات قد تضمنت ضربين من طغيان جنس الإنسان فالأول في بيان شدة حرصه على الجمع وشدة جزعه على الفقد والتعريض بتظليم ربه سبحانه في قوله هذا لي مدمجا فيه سوء اعتقاده في المعاد المستجلب لتلك المساوئ كلها، والثاني في بيان طيشه المتولد عنه إعجابه واستكباره عند وجود النعمة واستكانته عند فقدها وقد ضمن في ذلك ذمه بشغله عن المنعم في الحالتين، أما في الأول فظاهر، وأما في الثاني فلأن التضرع جزعا على الفقد ليس رجوعا إلى المنعم بل تأسف على الفقد المشغل عن المنعم كل الإشغال، وذكر أن في ذكر الوصفين ما يدل على أنه عديم النهية أي العقل ضعيف المنة أي القوة فإن اليأس والقنوط ينافيان الدعاء العريض وأنه عند ذلك كالغريق المتمسك بكل شيء انتهى، ومنه يعلم جواب ما قيل: كونه يدعو دعاء عريضا متكررا ينافي وصفه بأنه يئوس قنوط لأن الدعاء فرع الطمع والرجاء وقد اعتبر في القنوط ظهور أثر اليأس فظهور ما يدل على الرجاء يأباه، وأجاب آخرون بأنه يجوز أن يقال: الحال الثاني شأن بعض غير البعض الذي حكى عنه اليأس والقنوط أو شأن الكل في بعض الأوقات، واستدل بعضهم بقوله تعالى: فذو دعاء عريض على أن الإيجاز غير الاختصار وفسره لهذه الآية بحذف تكرير الكلام مع اتحاد المعنى والإيجاز بحذف طوله وهو الإطناب وهو استدلال بما لا يدل إذ ليس فيها حذف ذلك العرض فضلا عن تسميته