ولما جاء عيسى بالبينات بالأمور الواضحات وهي المعجزات أو آيات الإنجيل أو الشرائع ولا مانع من إرادة الجميع قال لبني إسرائيل قد جئتكم بالحكمة أي الإنجيل كما قال القشيري. والماوردي ، وقال : بالنبوة، وفي رواية أخرى عنه هي قضايا يحكم بها العقل، وقال السدي : أي بما تقتضيه الحكمة الإلهية من الشرائع، وقال أبو حيان : أي بالموعظة الضحاك ولأبين لكم متعلق بمقدر أي وجئتكم لأبين لكم، ولم يترك العاطف ليتعلق بما قبله ليؤذن بالاهتمام بالعلة حيث جعلت كأنها كلام برأسه. وفي الإرشاد هو عطف على مقدر ينبئ عنه المجيء بالحكمة كأنه قيل قد جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه وهو أمر الديانات وما يتعلق بالتكليف دون الأمور التي لم يتعبدوا بمعرفتها ككيفية نضد الأفلاك وأسباب اختلاف تشكلات القمر مثلا فإن الأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا لبيان ما يختلف فيه من ذلك ومثلها ما يتعلق بأمر الدنيا ككيفية الزراعة وما يصلح الزرع وما يفسده مثلا فإن الأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا لبيانه أيضا كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم في قصة تأبير النخل . (أنتم أعلم بأمور دنياكم)
وجوز أن يراد بهذا البعض بعض أمور الدين المكلف بها وأريد بالبيان البيان على سبيل التفصيل وهي لا يمكن بيان جميعها تفصيلا وبعضها مفوض للاجتهاد، وقال : المراد بعض الذي حرم عليهم وقد أحل عليه السلام لهم لحوم الإبل والشحم من كل حيوان وصيد السمك يوم السبت، وقال أبو عبيدة : بعض الذي يختلفون فيه من تبديل التوراة، وقال مجاهد : لأبين لكم اختلاف الذين تحزبوا في أمره عليه السلام قتادة فاتقوا الله من [ ص: 97 ] مخالفتي وأطيعون فيما أبلغه عنه تعالى