يوم تبيض وجوه وتسود وجوه نصب بما في لهم من معنى الاستقرار أو منصوب باذكر مقدرا ، وقيل : العامل فيه عذاب ، وضعف بأن المصدر الموصوف لا يعمل وقيل : عظيم ، وأورد عليه أنه يلزم تقييد عظمته بهذا ولا معنى له ، ورد بأنه إذا عظم فيه ، وفيه كل عظيم ، ففي غيره أولى إلا أن يقال : إن التقييد ليس بمراد ، والمراد بالبياض معناه الحقيقي أو لازمه من السرور والفرح ، وكذا يقال في السواد ، والجمهور على الأول قالوا : يوسم أهل الحق ببياض الوجه وإشراق البشرة تشريفا لهم وإظهارا لآثار أعمالهم في ذلك الجمع ، ويوسم أهل الباطل بضد ذلك ، والظاهر أن الابيضاض والاسوداد يكون لجميع الجسد إلا أنهما أسندا للوجوه لأن الوجه أول ما يلقاك من الشخص وتراه وهو أشرف أعضائه .
واختلف في وقت ذلك فقيل : وقت البعث من القبور ، وقيل : وقت قراءة الصحف ، وقيل : وقت رجحان الحسنات والسيئات في الميزان ، وقيل : عند قوله تعالى شأنه : وامتازوا اليوم أيها المجرمون وقيل : وقت أن يؤمر كل فريق بأن يتبع معبوده ، ولا يبعد أن يقال : إن في كل موقف من هذه المواقف يحصل شيء من ذلك إلى أن يصل إلى حد الله تعالى أعلم به ، إذ البياض والسواد من المشكك دون المتواطئ ، كما لا يخفى ، وقرأ - تبيض وتسود - بكسر حرف المضارعة وهي لغة - وتبياض وتسواد .
فأما الذين اسودت وجوههم تفصيل لأحوال الفريقين وابتدأ بحال الذين اسودت وجوههم لمجاورته وتسود وجوه وليكون الابتداء والاختتام بما يسر الطبع ويشرح الصدر .
أكفرتم بعد إيمانكم على إرادة القول المقرون بالفاء أي فيقال لهم ذلك ، وحذف القول واستتباع الفاء له في الحذف أكثر من أن يحصى ، وإنما الممنوع حذفها وحدها في جواب أما ، والاستفهام للتوبيخ والتعجيب من حالهم ، والكلام حكاية لما يقال لهم فلا التفات فيه خلافا للسمين ، والظاهر من السياق والسباق أن هؤلاء أهل الكتاب ، وكفرهم بعد إيمانهم [ ص: 26 ] كفرهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الإيمان به قبل مبعثه - وإليه ذهب - واختاره عكرمة الزجاج والجبائي .
وقيل : هم جميع الكفار لإعراضهم عما وجب عليهم من الإقرار بالتوحيد حين أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى وروي ذلك عن ، ويحتمل أن يراد بالإيمان الإيمان بالقوة والفطرة ، وكفر جميع الكفار كان بعد هذا الإيمان لتمكنهم بالنظر الصحيح والدلائل الواضحة والآيات البينة من الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وعن أبي بن كعب أنهم المنافقون أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم ، فالإيمان على هذا مجازي ، وقيل : إنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة ، وروي ذلك عن الحسن كرم الله تعالى وجهه ، علي وأبي أمامة ، ، وابن عباس وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه .
فذوقوا العذاب أي المعهود الموصوف بالعظم ، والأمر للإهانة لتقرر المأمور به وتحققه ، وقيل : يحتمل أن يكون أمر تسخير بأن يذوق العذاب كل شعرة من أعضائهم ، نعوذ بالله تعالى من غضبه ، والفاء للإيذان بأن الأمر بذوق العذاب مترتب على كفرهم المذكور كما يصرح به قوله سبحانه : بما كنتم تكفرون فالباء للسببية ، وقيل : للمقابلة من غير نظر إلى التسبب وليست بمعنى اللام ، ولعله سبحانه أراد ( بعد إيمانكم ) والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار كفرهم أو على مضيه في الدنيا .