ليسوا سواء أخرج ابن إسحاق والطبراني وغيرهم عن والبيهقي قال : لما أسلم ابن عباس عبد الله بن سلام وثعلبة بن شعبة وأسيد بن شعبة وأسيد بن عبيد ، ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد وتبعه إلا أشرارنا ، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره ، فأنزل الله تعالى في ذلك ليسوا سواء إلى قوله سبحانه وتعالى : وأولئك من الصالحين والجملة على ما قاله مولانا شيخ الإسلام تمهيد لتعداد محاسن مؤمني أهل الكتاب ، وضمير الجمع لأهل الكتاب جميعا لا للفاسقين خاصة وهو اسم – ليس - و ( سواء ) خبره ، وإنما أفرد لكونه في الأصل مصدرا ، والوقف هنا تام على الصحيح ، والمراد بنفي المساواة نفي المشاركة في أصل الاتصاف بالقبائح لا نفي المساواة في الاتصاف بمراتبها مع تحقق المشاركة في أصل الاتصاف ، ومثله كثير في الكلام .
من أهل الكتاب أمة قائمة استئناف مبين لكيفية عدم التساوي ومزيل لما فيه من الإبهام ، وقال أبو عبيدة : إنه مع الأول كلام واحد ، وجعل ( أمة ) اسم - ليس - والخبر ( سواء ) فهو على حد أكلوني البراغيث ، وقيل : ( أمة ) مرفوع – بسواء - وضعف كلا القولين ظاهر ، ووضع ( أهل الكتاب ) موضع الضمير زيادة في تشريفهم والاعتناء بهم – والقائمة - من قام اللازم بمعنى استقام أي ( أمة ) مستقيمة على طاعة الله تعالى ثابتة على أمره لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيعوه ، وحكي عن وغيره ، وزعم ابن عباس أن الكلام على حذف مضاف ، والتقدير ذو أمة قائمة أي ذو طريقة مستقيمة ، وفيه أنه عدول عن الظاهر من غير دليل . الزجاج
والمراد من هذه الأمة من تقدم في سبب النزول ، وجعل بعضهم ( أهل الكتاب ) عاما لليهود والنصارى ، وعد من الأمة المذكورة نحو وأصحابه ممن أسلم من النصارى النجاشي يتلون آيات الله صفة لأمة بعد وصفها بقائمة ، وجوز أن تكون حالا من الضمير في ( قائمة ) أو من الأمة لأنها قد وصفت ، أو من الضمير في الجار الواقع خبرا عنها ، والمراد يقرءون القرآن آناء الليل أي ساعاته ، وواحده أنى بوزن عصا ، وقيل : أنى كمعا ، وقيل : أنى بفتح فسكون أو كسر فسكون ، وحكى أنو كجرو ؛ فالهمزة منقلبة عن ياء أو واو وهو متعلق - بيتلون – أو بـ (قائمة) – ومنع الأخفش تعلقه بالثاني بناء على أنه قد وصف فلا يعمل فيما بعد الصفة أبو البقاء وهم يسجدون ( 311 ) حال من ضمير ( يتلون ) على ما هو الظاهر ، والمراد وهم يصلون إذ من المعلوم أن لا قراءة في السجود وكذا الركوع بل وقع النهي عنها فيهما كما في الخبر ، والمراد بصلاتهم هذه التهجد على ما ذهب إليه البعض وعلل بأنه أدخل في المدح وفيه تتيسر لهم التلاوة ؛ لأنها في المكتوبة وظيفة الإمام ، واعتبار حالهم عند الصلاة على الانفراد يأباه مقام المدح وهو الأنسب بالعدول عن إيرادها باسم الجنس المتبادر منه الصلوات المكتوبة ، وبالتعبير عن وقتها بالآناء المبهمة ، وإنما لم يعبر على هذا بالتهجد دفعا لاحتمال المعنى [ ص: 34 ] اللغوي الذي لا مدح فيه ، والذي عليه بعض السلف أنها صلاة العتمة .
واستدل عليه بما أخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن جرير بسند حسن ، واللفظ للأخيرين عن والطبراني رضي الله تعالى عنه قال : ابن مسعود ليسوا سواء حتى بلغ والله عليم بالمتقين وعليه تكون الجملة معطوفة على جملة يتلون ، وقيل : مستأنفة ، ويكون المدح لهم بذلك لتميزهم واختصاصهم بتلك الصلاة الجليلة الشأن التي لم يتشرف بأدائها أهل الكتاب كما نطق به الحديث ، بل ولا سائر الأمم ، فقد روى أخر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد ، فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : أما إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب ، قال : وأنزلت هذه الآية بسند حسن أيضا عن الطبراني المنكدر أنه قال : ، ولعل هذا هو السر في تقديم هذا الحكم على الحكم بالإيمان ، ولا يرد عليه أن التلاوة لا تتيسر لهم إلا بصلاتهم منفردين ، ولا تمدح في الانفراد مع أنه خلاف الواقع من حال القوم على ما يشير إليه الخبران لأنه لم تقيد التلاوة فيه بالصلاة ، وإنما يلزم التقييد لو كانت الجملة حالا من الضمير كما سبق وليس فليس . خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات ليلة ، وأنه أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة ، والناس ينتظرون في المسجد فقال : أما إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ثم قال : أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم
والتعبير عن الصلاة بالسجود لأنه أدل على كمال الخضوع وهو سر التعبير به عنها في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لمن طلب أن يدعو له بأن يكون رفيقه في الجنة ؛ لفرط حبه له وخوف حيلولة الفراق يوم القيامة ، وكذا في كثير من المواضع ، وقيل : المراد بها الصلاة ما بين المغرب والعشاء الآخرة وهي المسماة بصلاة الغفلة ، وقيل : المراد بالسجود سجود التلاوة ، وقيل : الخضوع كما في قوله تعالى : أعني بكثرة السجود ولله يسجد من في السماوات والأرض واختيرت الجملة الاسمية للدلالة على الاستمرار ، وكرر الإسناد تقوية للحكم وتأكيدا له ، واختيار صيغة المضارع للدلالة على التجدد.